ساعة واحدة او تزيد قليلا كانت فاصلا بين شرائي سلعة بسعر 250 جنيها وعودتي لشراء ذات السلعة لتكون المفاجأة اصرار التاجر علي أن ادفع 300 جنيها بحجة باطلة وهي أن سعرها قد ارتفع في السوق ، اعترضت قائلا للتاجر لا يحق لك زيادة السعر علي ما لديك من هذه السلعة ﻷن المنطق والاخلاق يفرض عليك أن تربح حسب مادفعت وليس حسب ماحدث من سعر جديد فالربح يفترض ان يرتبط برأس المال المدفوع بمعني ما اشتريته تحسب ربحه حسب مادفعت يعني نسبة الربح يجب أن ترتبط بثمن السلعة ولايعقل أن تزيد سعر ما اشتريته رخيصا بحجة ان سعره اليوم اصبح غاليا، يجب أن يكون ربحك في ماشتريته رخيصا ثابتا ، وما أشتريت من سلع جديدة وبثمن مرتفع يكون ربحك مرتفعا بما يناسب الزيادة في السعر حسب السوق ، ولكن وللاسف جاء رد التاجر غريبا عندما قال لي متسائلا ( كيف ابيع لك السلعة ب 250جنيها ثم اذهب انا لشرائها ب300 جنيها؟ متجاهلا شرحي له أن يحسب ربح كل سلعة حسب مايدفع ثمنا لها.
تلك إذن حقيقة المواجهة بين المواطن السوداني والغلاء الفاحش ، وهي ذات الحقيقة التي تكشف العلة في سلوكنا السيئ كأفراد وجماعات في السوق وفي الشارع وفي مكاتب الدولة بل وفي طريقة إدارتنا لمعظم المواقع بما فيها إدارة الدولة ووزاراتها.
الجشع حالة مرضية إنتشرت في اﻷسواق وتسللت إلي كل المواقع الخدمية بل وحتي دور العلم والعبادة ، مما اضطر البركة إلي أن ترحل وتبتعد، ﻷن التاجر الصدوق قد اختفي تماما وأن القائد الصادق لم يعد موجودا ، وكأنما الواقع اﻵن يؤكد أن المستحيلات لم تعد الغول والعنقاء والخل الوفي فقط وإنما انضم اليها التاجر الصدوق والقائد الصادق والسياسي الوطني الغيور. وغياب هؤلاء وإستحالة وجودهم تسبب مباشرة في تردي اوضاعنا وضياع حقوقنا ودخولنا في مواجهة غير متكافئة ضد غلواء السوق ونفاق السياسين وإرتزاق بعض المتصدرين لمنصات اﻹعلام ومنابر الدعوة والتثقيف.
المواجهة غير المتكافئة هي السبب اﻷساسي للغلاء وهي التي تقف وراء ارتفاع وتيرة المضاربات في سوق العملات (الدولار ورفيقاته من عملات حرة) والمتسببة في تزايد حركة التهريب للسلع الضرورية وارتفاع اسعار الغذاء والدواء وتفشي تجارة المخدرات وغيرها من ممنوعات.
والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة ويظل حاضرا دائما هو (لماذا تظل المواجهة غير متكافئة ولماذا يظل موقف المواطن ضعيفا ؟) واﻹجابة واضحة وضوح الشمس وهي أن عدم المكافئة مصدره انحياز بعض اصحاب السلطة فهم متواطئون مع الجشع ومنحازون لمن يديرون المضاربات وربما كانوا طرفامشاركا في الخفاء ، مما يجعل مواجهة المواطن ضد الجشع والغلاء الفاحش هي مواجهة ضد دولة ذات سلطة وقوة تختبئ خلف الجشع والغلاء بل وتقدم له الحماية والتشجيع، ودليلنا علي ذلك غياب العقاب الرادع ، ولن يقتنع الشعب بصدق الحكومة وحسمها اﻹ بمشاهدة المحاكم العادلة التي تثبت جرائم من يحاربون الشعب وأن يشاهد الناس تنفيذ العقوبة في الميادين العامة ، ولابد ان يستوعب الجميع أن الخيانة العظمي للوطن هي سرقة قوت البسطاء وافتعال الغلاء والجشع ومنع الناس من الحصول علي حقهم اﻷصيل في الحياة .