(سالمة ياسودان) قصة عناق .. بطلها تميم

(سالمة ياسودان) قصة عناق .. بطلها تميم
  • 14 سبتمبر 2020
  • لا توجد تعليقات

محمد المكي أحمد


كان ومازال وسيبقى مشهد تفاعل القطريين وتضامنهم مع الشعب السوداني ، بعد كارثة فيضانات ٢٠٢٠ مؤثرا في قلب وعقل أي إنسان أنعم الله عليه بنعمة الاحساس والإنصاف والتقدير للمواقف النبيلة.

تابعت مساء أمس (١١ سبتمبر ٢٠٢٠) تلفزيون قطر وهو يدشن حملة ( سالمة يا سودان) التي أنطلقت على مدى ساعتين في بث فضائي مباشر وحيوي ، حيث انهالت تبرعات القطريين رجالا ونساء، وبينهم طلاب وسودانيون لدعم منكوبي الفيضانات .

هذه الحملة متميزة ، لأن القرار الحكومي فتح باب الدعم أمام الشعب عبر الإعلام الحكومي وفي صدارته التلفزيون والإذاعة.

هذا يعني أن القيادة القطرية أعطت بعدا شعبيا للقرار الحكومي تجاه أزمة السودانيين هذه الأيام ، وهذا معناه أن هناك سعيا لتعزيز ثقافة التضامن الانساني في أوساط الشعب القطري.

مظاهر هذه الثقافة أطلت بوضوح في مرات عدة، تضامنت فيها قطر، القيادة والشعب ، مع عدد من الدول والشعوب التي تعرضت لكوارث وأزمات كبرى ، وتجسد أحدث دليل قبل أيام فور وقوع انفجار مرفأ بيروت المدمر في ٤ أغسطس ٢٠٢٠.

المهم هنا أن أشير إلى أن وقائع وايقاعات الحملة القطرية الحكومية و الشعبية الداعمة للسودان جاءت غداة قرار (إنساني ) وأيضا (سياسي حكيم) ينم عن وعي بأهمية التوقيت السليم في اتخاذ القرارات المهمة.

قرار أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إتخذه في السادس من سبتمبر ٢٠٢٠ في توقيت حيوي، بعدما أعلن السودان حالة الطواريء لمدة ثلاثة أشهر ، وأن البلد بات منطقة كوارث طبيعية.

الأمير وجه مؤسسات الدولة بارسال إغاثة عاجلة الى السودان لمساعدة منكوبي فيضانات هي الأشرس والأكثر تدميرا منذ نحو مئة عام ،وقد استشهد بسببها أكثر من 100 شخص وتدمرت بشكل كلي أو جزئي آلاف المنازل،ما أدى إلى تشريد أسر فقدت المأوى والمأكل والمشرب والعلاج ودفء العيش الكريم .

تطبيقا للقرار أجرى رئيس الوزراء القطري الشيخ خالد بن خليفة بن عبد العزيز آل ثاني اتصالا هاتفيا بنظيره السوداني دكتور عبدالله حمدوك أبلغه بقرار الأمير .

في ضوء هذا القرار الإيجابي بدأت منذ أيام طائرات العون الإنساني القطري تحط في مطار الخرطوم، وتابعت عبر تلفزيون السودان مشهد أول طائرة من طائرات (القوات الجوية الأميرية القطرية) تحط في مطار الخرطوم الدولي ،وتسجل حضورا يحمل دلالا ت الموقف (الإنساني) القطري .

في سياق هذه التفاعلات تابعت جهود عون انساني نفذتها ميدانيا ( جمعية قطر الخيرية).
المشهد بدا أكثر إشراقا بدخول (الهلال الأحمر القطري) في ميادين التعاون مع (الهلال الأحمر السوداني) في ساحات المساعدة لمكافحة (كورونا) ونتائج الفيضانات الكارثية.
في تلك الأجواء أطل في قلب الخرطوم، وعلى أرض مطارها الدولي الأخ والصديق العزيز السفير علي الحمادي الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر القطري، إذ كان في استقبال شحنة مساعدات طبية .

علي الحمادي عمل سنوات عدة سفيرا لدى الخرطوم ،وأعرف شخصيا مدى حبه لشعب السودان،وهو رجل جدير بالتقدير والإحترام،وقد أبرم اتفاق تعاون مع (الهلال الأحمر السوداني) لمدة خمس سنوات ،وأعلن أن (الهلال الأحمر القطري ) سيواصل جسر الدعم لمتضرري الفيضانات.

في هذه الأجواء التي تشكلت بتوجيهات من الأمير تميم انطلقت حملة (سالمة يا سودان) عبر بث مباشر للتلفزيون الحكومي ووسائل اعلام قطرية أخرى .

اللافت الذي يستحق التأمل والإشادة يكمن في أن أول المتبرعين لدعم منكوبي الفيضانات هو أمير الدولة الشيخ تميم ،اذ تبرع ب 50 مليون ريال قطري ،ثم تواصلت مشاهد العناق القطري مع أهلنا في السودان .

في أثناء البث التلفزيوني المباشر تم الاعلان عن تبرعات بنوك ومؤسسات وشركات وفاعلي خير من الجنسين ،وبلغت التبرعات خلال ساعتين أكثر من 89 مليون ريال (89,669,812) وستوظف في مساعدات انسانية عاجلة للمتضررين من الفيضانات،.

شارك موظفو المدرسة السودانية بتبرعات بلغت 61 الف ريال،كما سجلت بنات وأبناء السودان (الأطباء) تبرعا بلغ 100 ألف ريال .

منظمو الحملة (جمعية قطر الخيرية و الهلال الأحمر القطري بإشراف هيئة تنظيم الأعمال الخيرية) أعلنوا أن حملة التبرع مستمرة (ماديا وعينيا)، وحددوا أرقام هاتف نقال لتلقي التبرعات، بل أكدوا إستعدادهم لاستلام التبرعات في البيوت .

هذه الحملة الانسانية ليست غريبة أو جديدة أو أمرًا طارئا على قيم المجتمع القطري، اذ أن نصرة المنكوب والمستضعف من أبرز سمات وأخلاق القطريين.

القطريون ،قيادة وشعبا مجبولون على حب وفعل الخير ، عشت في مناخ الدوحة الدافيء لأكثر من ثلاثين عاما، لمست عن قرب أدوار القطريين الإنسانية في دول عدة بينها السودان وفلسطين والصومال، ومواقع نازفة أخرى في دول منسية في خارطة العالم .

أكتب بتقدير وأحترام وقناعة تامة بحيوية أدوار الدوحة (الانسانية)..

هناك من يقول مباشرة أو من خلف ستار: هل نسيت كيف تعاملوا معك ، ما اضطرك لمغادرتها في العام ٢٠١٥ بعد فترة عمل استمرت أكثر من 30 سنة ؟

ردي كان وسيبقى ، صحيح أنني غادرت الدوحة (مكرها) بسبب مضايقات وملاحقة وشكاوى نظام ديكتاتوري ، فاسد، وظالم أسقطناه بثورة شعبية في السودان ..

لكنني أفرق بين الجرح والأذى الشخصي، وابداء الرأي بشأن المواقف الرائعة وإنصاف من يستحق الإنصاف في أصعب الظروف.

أحمد الله الذي منحني قدرة التمييز بين الحق والباطل، وبين القدرة على رؤية واحتضان النبض (الإنساني) الذي يستحق الإشادة، وفي الوقت نفسه لا أجامل في حقوقي التي أراها منتهكة او جرى انتهاكها.

أشرت الى ذلك في بعض مقالاتي بعد مغادرتي الدوحة إلى لندن ، واتمتع بالأمس واليوم – والحمد لله – باستقلالية وحرية تامة ، كي أتحدث اليوم أو غدا أو في أي وقت أحدده عن (من تسبب وتسببوا) في تشريدي وأسرتي (من الجانبين السوداني والقطري) بسبب مواقفي وكتاباتي عن الظالمين الطاغين في السودان وأشياء أخرى.

خلال فترة عملي في الدوحة انتقدت (بالكتابة والصوت) في مؤسسات إعلامية دولية ما كنت أراه سلبيا في سياسات قطر .

إن كان في العمر بقية سأكتب عن أي شيء أراه ايجابيا أو سلبيا،سواء عن قطر أو أية دولة خليجية وغيرها، اذ لا تفريط في رأيي الحر المستقل.

هكذا كنت بالأمس، وهكذا الحال اليوم، بعدما منحني مناخ لندن التي جئت اليها (لاجئا) أوسع أبواب الحرية، وهذه أيضا حصانة إضافية ضد مرض منافقة الحكام الذي أبتلي به بعض الصحافيين والكتاب وغيرهم من (حملة مباخر) التطبيل.

أعيد للأذهان لتأكيد تمسكي باستقلالية الموقف والرأي (والذكرى تنفع المنصفين) مضامين مقالات كتبتها عن أدوار ايجابية، انسانية،و اغاثية لمنكوبي الفيضانات ، قامت وتقوم بها مصر والسعودية والإمارات والكويت، ودول أخرى ومنظمات دولية بينها الأمم المتحدة،وكان آخرها مقالي بعنوان (كارثة الفيضانات: صدى الوجع السوداني في الخليج) الذي نشر في الخامس من سبتمبر الجاري ( ٢٠٢٠).
أرى أن نتمسك بكلمة الحق، وننصف من يتضامن مع شعب السودان وحكومته الانتقالية في ليل حالك.
الإنصاف يعكس دواخل خضراء ونقية لم تلوثها الضغائن ولا تخضع لأسر مواقف قديمة تجاوزها الزمن ، ولا تخلط بين الموقف الإيجابي وأية سياسات قد نراها سلبية.
أن نشد على الأيادي التي تمتد الينا بالخير والنبض الانساني الجميل فهذا يعني أننا نرد التحية بتحية مستحقة أروع ..
أي أننا شعب يقدر ولا ينسى جمائل الناس ، ويحيي من يحيينا بمواقفه النبيلة بتحية أروع ، نسجلها تأريخا في ذاكرة الشعب للأجيال ..

شعبنا يتمتع بنبض حساس، نابع من اعتداده بكرامته، يهمه أن يطل العون الإنساني من دون من أو أذى..

في هذا الإطار جاءت (سالمة ياسودان) ..
إنها قصة تضامن إنسانية رائعة مع منكوبي الفيضانات .. أي مع شعب السودان.

بطل هذه القصة الأمير الشاب الشيخ تميم بن حمد وشعب قطر ، الطيب، الكريم، المتواضع.. والودود ..
لكم التحيات..

لندن – ١٢ سبتمبر ٢٠٢٠

التعليقات مغلقة.