المحاولات الأمنية لوحدها لن تجدي في معالجة أزمة الاقتصاد، كما أن المحاولات الفردية المعزولة والقصيرة المدة لن تنجح كذلك في معالجة الازمة، المعالجة المطلوبة هي معالجة منهجية تستهدف استقرارا اقتصاديا على المدى المتوسط والطويل، في ظل واقعنا الراهن من غير الموضوعي ان نتحدث عن إمكانية حدوث نهضة اقتصادية سرعية، كل الممكن حدوثه هو توفير احتياجات الناس العادية من غاز ووقود وكهرباء وماء ومواصلات، لا يجب على الحكومة ان تمني الشعب بأكثر من ذلك، ولكن عليها أن تجتهد في ان يكون هناك برنامجا اصلاحيا منشورا ومعروفا وفعالا ويحمل نتائج ملموسة على المدى المتوسط والبعيد، غياب هذا البرنامج سوف يجعل البلاد كالساقية التي تغرف من البحر لتصب في نفس البحر.
نعلم أن العالم الخارجي للاسف خيب آمال وظنون الحكومة الاقتصادية ولم يقدم الدعم المطلوب، ولكن الحقيقة هنا ان اللجنة الاقتصادية لقحت هي السبب في إفشال هذا المخطط، وذلك برؤاها الاقتصادية المتعنته التي يطلقها أعضاء الحزب الشيوعي في اللجنة الاقتصادية متهمين فيها الينك الدولي والدول المانحة بالفساد. الرسائل المتعارضة التي كانت تخرج من كابينة الحكومة الاقتصادية تجاه الخارج، جعلته غير متحمس وغير جاد في المساهمة. ولذلك الحكومة الآن مرغمة على تبني سياسة داخلية تقشفية على مستوى الجهاز الحكومي ومعتمدة بالاساس على مصادر الإنتاج والموارد الداخلية، وهي خطة بالتأكيد لن تكون ذات أثر سريع على حالة الاقتصاد كما هو أثر المنح العالمية الدولارية، ولكنها الخيار الذي أجبر عليه حمدوك لا بطل .
بالنظر بموضوعية لمصادر الدخل من الداخل التي يمكن أن تشكل فرقا فيمكن أن نعدد ثلاث مصادر اساسية، اولها الذهب بلا شك، حيث يرقد السودان فوق كنوز من الذهب، و يقدر المستخرج السنوي من الذهب في السودان بما لا يقل عن ٦ مليار دولار، و لكن أكثر من ٧٠% من هذا المبلغ لا تدخل إلى الخزينة العامة للدولة، إذ يتم تهريب الذهب عبر طرق غير قانونية، ضبط الفساد الذي يحدث في تصدير الذهب يعني توفير عائد هائل من العملة الصعبة .
ثانيا المغتربين، إذ كانت تقدر تحويلات المغتربين السودانيين بالخارج في عهد المخلوع البشير بمبلغ ٤ مليارات دولار سنويا، و لكن كل هذه العملات الصعبة لا تمر عبر الجهاز المصرفي الرسمي و انما عبر تجار العملة والسوق السوداء، الذين كانوا ينشطون تحت حماية نافذين فاسدين في سلطة البشير، يجب أن تستقطب الحكومة المغتربين وتوفر لهم ضمانات جيدة وعوائد مجزية لكي يضعوا أموالهم في يديها، قطع اراضي، تعليم جامعي، تأمين صحي وغيره سيكون بداية جيدة.
ثالثا حصائل الصادر، الفساد الذي كان في عهد الكيزان وتلاعبهم في حصائل الصادرات السودانية كان يفقد البلاد سنويا ما لا يقل عن ٣ مليارات دولار ، إذ في عام ٢٠١٨ باكمله لم يتحصل بنك السودان الا على أقل من ١٠% من حصائل الصادر مع ملاحظة وجود أكثر من ٤٠٠ شركة تصدير واسم تجاري في قطاع الصادرات. ضبط قطاع الصادرات و تحصيل حصائل الصادرات اولا بأول سوف يوفر موردا ثابتا وعظيما من العملة الصعبة لخزينة الدولة.
هذه ثلاثة نماذج اذا سلمت من الفساد واديرت بشكل جيد من قبل حكومة الثورة سوف توفر رصيدا ضخما من العملات الصعبة في المؤسسات المالية الرسمية. الفرص موجودة على المدى المتوسط والبعيد لاستعادة عافية البلاد والمطلوب فقط الهمة ومحاربة عودة الدكتاتورية مرة اخرى.
sondy25@gmail.com