تعلم الشعب السوداني دروسا قاسية بعد إطاحة الانقلابيين بحكومتي الديمقراطية في ١٩٦٩ و ١٩٨٩، ولا يود ان تتكرر هذه الدروس مجددا مع ثورة ديسمبر، و لذلك هناك حرص شديد من الثوار والجماهير على حماية الثورة والعبور بها رغم التعقيدات الكثيرة التي يعاني منها الوطن، ومن أكبر هذه التعقيدات كيفية إدارة عملية الحكم والسياسة بعد إسقاط حكومة المخلوع، وكيفية خلق حكومة انتقالية نشيطة ومنسجمة وذات فاعلية، تستطيع عبور مطبات الدولة العميقة بخفة ويقظة.
لا يختلف اثنان على أن حكومة الثورة الآن ( لحم راس ) لا يجمع بينها رابط، اللهم إلا ضغط الشارع ومراقبته لها، فالحقيقة أن الحكومة بعد تفشي المحاصصات أصبحت أكبر معين للدولة العميقة في نشاطها، لوجود الاختلافات بين الأفكار والأحزاب والايدولوجيات المختلفة الكثيرة في السودان داخل جسد الحكومة مما أثر على اداءها وقلل من حركتها، وهي مشاكل كان يمكن أن تتفاداها الحكومة الانتقالية لو التزمت جميع الأحزاب السياسية بعدم المحاصصة وتم تعيين كفاءات مستقلة غير محزبة في كل مفاصل الدولة وانصرفت الأحزاب للمراقبة عبر الشارع وبناء نفسها والاستعداد للسباق الانتخابي بنهاية الفترة الانتقالية.
المحاصصات ارهقت حكومة الثورة وسهلت من مهمة الدولة العميقة، ومازالت تكبل خطو الحكومة الانتقالية، لذلك يجب اغتنام فرصة توقيع اتفاقية السلام وتشكيل الحكومة الجديدة، لتحويل حكومة الثورة بمجلسيها السيادي والوزاري إلى كفاءات مستقلة فقط لم يعرف لها في تاريخها انتماءا سياسيا او ايدولوجيا، وسيكون هذا الإجراء هو مجرد عودة للحق، فالحق كان ان يتم من اللحظة الاولى تكوين حكومة انتقالية من مستقلين فقط وليس من الاحزاب، الأحزاب لا يجب ان تحكم الا عن طريق الانتخابات فقط.
بتكوين الحكومة المستقلة تتحول أحزاب الحرية والتغيير لتكون متحالفة مع الشارع ومنتمية له ومراقبة لأداء الحكومة وليس جزء منها، فالفترة الماضية ثبت ان تحالف أحزاب الحرية والتغيير فشل تماما في عملية إدارة الحكم وتكوين حكومة معافاة ومنسجمة، تحالف فشل لأكثر من سنة في مجرد إقامة مؤتمر تداولي يعيد فيه ترتيب بيته ويقر برنامجا جديدا بعد الإطاحة بالنظام، برنامج حكم لا برنامج معارضة، تحالف مازال يدار بنفس عقلية تحالف المواكب ومنازلة النظام، هذا تحالف غير جدير بالحكم وغير مؤهل لمسؤلية الحكم، دعونا عشرات المرات ان يجتمع هذا التحالف وان يهيكل نفسه وينزع ثياب المعارضة ويلبس ثياب الحكم ولكن لا حياة لمن تنادي!
لانقاذ الفترة الانتقالية، إما ان ينتظم تحالف قوى الحرية والتغيير في شكل جديد مستوعب لواقع التحول في الحكم، أو فلينفصل عن جسد الحكومة ويعود للشارع، وتذهب الأحزاب لبناء نفسها استعدادا للانتخابات وخلال ذلك مراقبة الحكومة الانتقالية المستقلة في تنفيذها لأهداف الثورة، ولكن استمرار التحالف بهذا الشكل في داخل الحكومة الانتقالية لن يقود الا إلى مزيد من الأزمات السياسية والاقتصادية وانغلاق الأفق السياسي الذي سيقود حتما لفشل الحكومة الانتقالية وسقوطها.
sondy25@gmail.com