ظلت المنطقة النوبية منذ الاستقلال، تعاني من تجاهل الحكومات المتعاقبة في توفير أبسط مقومات الحياة من صحة وتعليم وكهرباء وطرق، وكلما طالب النوبيون بحقوقهم المشروعة لم يجدوا سوى “الطناش”، حتى ظنوا أنهم خارج حدود الدولة السودانية، ومازالت قرى كثيرة إلى يومنا هذا بدون كهرباء، ومن نجح في توفيرها كان بالجهد الأهلي الذاتي، وليس الحكومي.
وبجهد مقدر، نجح “التجمع النوبي” في توحيد أكثر من 27 كياناً نوبياً حول مذكرة مطلبية تحتوي على أبرز القضايا واجبة التنفيذ خلال الفترة الإنتقالية، وتم تسليمها لحكومة الولاية الشمالية، رغم أن كثير من القضايا المطروحة حلها بيد الحكومة المركزية، ولكن هذا لا يمنع أن تضغط الحكومة الولائية على المركز حتى يستجيب لهذه المطالب المشروعة.
ومن القضايا التي ظلت تؤرق مضاجع النوبيين، قضية بناء سدي دال وكجبار وتشريد الأهالي، وإعادة مأساة وادي حلفا مرة أخرى، ولكن بصمود أبناء المنطقة وتوحدهم ضد هذا القرار، لم يتمكن النظام البائد من تنفيذ خطته “الخبيثة”، حيث توحدت المنطقة من دنقلا جنوباً حتى وادي حلفا شمالاً، وقدموا شهداء في منطقة كجبار، بعد أن واجه النظام البائد مسيرات الرفض الشعبية بقوة السلاح.
ناضل النوبيون جنباً إلى جنب مع جماهير الشعب السوداني منذ انقلاب الجبهة الإسلامية، حتى سقوط نظامها القمعي، وبرز لقب “الكنداكات” النوبيات خلال الثورة، والكنداكة هي الملكة النوبية، وشرف لها أن ننادي كل نساء السودان الثائرات بهذا اللقب.
وبعد نجاح الثورة، حان الوقت لجرد الحساب، وإعطاء كل ذي حق حقه، وفي تقديرنا الحراك الذي قاده “التجمع النوبي” صاحب التاريخ المتجذر في التصدي لقضايا النوبيين في الداخل والخارج، جاء في وقته المناسب، والآن بالضبط يمكن للنوبيين البدء في تكوين وبناء أعظم تحالف مطلبي على مستوى المنطقة، يضم كل الكيانات والتنظيمات واللجان والجمعيات والأندية والاتحادات، والعمل بروح واحدة من أجل تعمير المنطقة، ورد المظالم التاريخية التي تعرضت لها.
التفاف كل الكيانات والتنظيمات حول هذه المذكرة المطلبية – باستثناء عدد قليل ننتظر انضمامها إلى هذا التحالف قريباً – هو بداية الانتفاضة النوبية من أجل تحقيق العدالة في شهداء كجبار، وإلغاء القرارات الجمهورية الخاصة بإنشاء سدي كجبار ودال، وتحقيق التنمية المتوازنة وإزالة التهميش الذي تعرضت له المناطق النوبية في العهد البائد، وإنشاء مفوضية ضحايا السدود، وتشجيع العودة الطوعية للمهجرين من أبناء وادي حلفا لقراهم على ضفاف بحيرة النوبة، وإلغاء القرار الجمهوري رقم 206 القاضي بأيلولة أراضي الولاية الشمالية إلى وحدة تنفيذ السدود، وتشجيع الاستثمار الصناعي في مجالات التعدين وإعادة حدود الولاية الشمالية كما كانت في السابق.
بالإضافة إلى قضايا الصحة والتعليم والكهرباء والطرق والمياه وغيرها من البنية التحتية الأساسية، وغيرها من المطالب التي ذكرتها المذكرة وتجاوزت 28 مطلباً، وكل هذا لن يتحقق إلا بوحدة نوبية وإطلاق تحالف عريض يضم كل المنطقة من وادي حلفا حتى دنقلا بالإضافة إلى حلفا الجديدة، والأمل معقود بالكيانات الموقعة على هذه المذكرة لتكون نواة لهذا التحالف الذي ينتظره الكل.. وأبداً يزل المستحيل لعزمنا وسننتصر.. وسنبدع الدنيا الجديدة وفق ما نهوى.. ونحمل عبء أن نبني الحياة ونبتكر.. حباً ووداً..