قلت مرارا ان من المشاكل التي اوجدتها المحاصصات في الحكومة الانتقالية ان بعض المتنفذين جاءوا إلى المناصب بفهم ثوري، وكأنهم يقبضون مقابلا عن سنين النضال ضد طغمة الانقاذ، وبالتالي هؤلاء لا يشعرون بامتنان للشعب ولا للشهداء بل يشعرون بامتنان لذواتهم فقط، فالمناصب يعتبرونها مقابلا تشريفيا لنضالهم وليست تكليفا وطنيا ولا مسؤلية تاريخية، وهؤلاء هم احد اسباب أزمة ضعف الحكومة الانتقالية.
من الأسباب الأخرى المحاصصة الحزبية، التي جعلت أحزابا سياسية تنال مناصبا متعددة داخل الحكومة الانتقالية، في الوقت الذي لا تتمتع فيه هذه الأحزاب بأي رصيد جماهيري حقيقي، شعور هذه الأحزاب بأن الفترة الانتقالية هي فرصتها الوحيدة لتنال مناصبا سياسية مؤثرة جعلتها تنكب على السلطة بيديها ورجليها، وهذا ما مثل احد التشوهات المعيبة في جسد الحكومة الانتقالية.
من الأسباب الأخرى التعيين الذي اتسمت به حكومة الفترة الانتقالية، حيث تم توظيف جيش جرار في مناصب متعددة وحساسة بدون اي معايير تذكر، غلب على هذا التعيين المزاج الشخصي أحيانا وأحيانا تأثير الميديا ومرات أخرى التاريخ السياسي للشخص، وهي طريقة أسفرت عن تركيبة هجين للحكم بلا قواسم مشتركة حقيقية، مما يجعل الاستفادة من هؤلاء محكومة بالتجريب لينجح من ينجح ويفشل من يفشل، وهي أزمة حقيقية لأن الفترة الانتقالية لم تعد لتكون سنة واحدة بحيث تكون غير مؤثرة بغض النظر عمن شارك في طاقم إدارتها، ولكنها أعدت لتكون فترة انتقالية طويلة، تشبه في مدتها فترة انتخابية رئيسية مكتملة، وهنا لا يصلح التجريب العشوائي ولا المزاج الشخصي.
الانسان عبر التاريخ السياسي ظل يعمل ويجتهد من أجل إنجاز نظام حكم منسجم ومتناسق يستطيع أن يقوم بمهمة واحدة وهي تطوير الدولة وبناء الامة، بحيث يكون هذا النظام دقيقا كتروس الساعة، بحيث يعمل كل ترس فيها بانتظام مع الآخر والا اختل نظام التوقيت جميعه وفشل، لهذا وصلت التجربة إلى الأحزاب السياسية كمعبر عن برامج سياسية منسجمة وكل حزب سياسي بداخله تركيبة بشرية منسجمة ومنضبطة بلوائح داخلية، ثم وصلت التجربة إلى الحكم الديمقراطي الانتخابي كأفضل نموذج يسمح لمجموعة منسجمة من الناس للوصول للحكم معا، يعتمد النظام الديمقراطي على تنافس الأحزاب السياسية المنسجمة داخليا لتقدم بناءا على تصويت الجماهير توليفة حزبية فائزة تملك مستوى معقولا من التناغم والانسجام يسمح لساعة الحكم من الدوران وفق تروس متفاهمة ومترابطة.
اعتمادنا على الفترة الانتقالية الطويلة المليئة بالمحاصصات الحزبية والأشخاص الذين لم يكونوا مهيئين لهذه المناصب، يجعلنا للاسف عرضة للتجريب في نظام الحكم، وحقيقة مجيء هذا التجريب في ظل هذا الوضع المأساوي المنهار اقتصاديا يجعل النظام الراهن عرضة للفشل بنسبة كبيرة، كيف نؤهل هذا النظام؟ كيف نجعل لساعة الفترة الانتقالية تروسا متناغمة؟ هذا ما يمكن عمله عبر تطوير الوثيقة الدستورية، إقامة مؤتمرات قومية للحكم والاقتصاد والعلاقات الخارجية والصحة والتعليم والزراعة والخ، يخرج منها جميعا كاتلوجا موحدا لأهداف وشكل منظومة الحكم ومعايير التوظيف فيها ويحدد لكل موظف دوره المطلوب بالضبط، هذا قد ينهي التجريب ويستعيد عافية العمل الحكومي ويطمئن النفوس.
sondy25@gmail.com