حبوبة نبوية بت الغلباوي امرأة من جيل آخر. لا تعرف البهارات إلى حديثها سبيلاً. يأتي حديثها واضحاً صريحاً، وصادماً.
قال لها ولد ولدها: حبوبة، شفتي ناس الإنقاذ كيف مشغولين بأميركا عشان ترفع العقوبات؟ يا حبوبة، ديل بيقولوا انو وضعنا المتدهور سيكون عال العال بمجرد ما يرفع ترامب العقوبات. يا حبوبة ربنا يرفعها، عشان نمشي المدرسة السنة دي وفي يدنا سندوتشات فطور!
أخذت حبوبة نبوية نظارتها المكبرة، وضعتها بإحكام على عينين شاهدتا الكثير الكثير منذ أيام الاستعمار البريطاني، إذ عاصرت كل الحكومات الوطنية، وعجمت عود الانقلابات العسكرية الغاشمة. عرفت كل الكذابين، وما أكثرهم، في تاريخنا.
قالت لحفيدها، وهي أشد ما تكون صرامة: يا وليدي دا كضب ساي. العقوبات دي بدت متين؟ قبلها كان وضعنا كويس يعني؟
حبوبة نبوية نوع من النساء زادته الأيام حنكة وحكمة وروية. ابنها البكر، الذي يعيش حالياً في أوروبا، كثيراً ما قال لأبنائه في غربتهم إن حبوبتهم عندها ميزة فريدة، وهي قدرتها على توليد التساؤلات في عقول أبنائها. فأنت إذا جئتها سائلاً عن سبب احتراق الكسرة، مثلاً، لعدت منها بتساؤلات لا تحصى عن محصول السنة من الذرة، وسعرها في الأسواق، والغش الذي يمارسه التجار في الزريبة، والضرائب الحكومية عليها، ورداءة صاج العواسة مقارنة بصاج زمان. تساؤلات لا نهاية لها. هي لا تطرح التساؤلات، إنما تغرزها في عقول الصغار غرزا كالدبابيس.
بهذه الميزة، التي زادت مهارةً عبر الأيام، لم يستطع حفيدها الصغير أن يصدق موضوع العقوبات.
في اليوم التالي ذهب مهموماً إلى مدرسته، وسأل أحب المعلمين إلى قلبه أسئلة عن معنى التمكين والفساد، ودمار هيكل الاقتصاد، وفشل مشروع الجزيرة، والتخصيص، ومصير النقل النهري والسكك الحديدية، وغيرها من سوءات.
الأستاذ المغلوب على أمره، بكى بكاء ناشجاً، وطلب من تلميذه النجيب أن يحتفظ لنفسه بهذه الأسئلة المستعصية على الإجابة. فمثل هذه الأسئلة يمكن أن تجر عليه مصائب لا قبل له بها في هذه السن الغضة.
كان الأستاذ قد تذكر أن هذا اليوم بالذات هو يوم صرف الرواتب، وأن راتبه هذا الشهر قد استدانه بالكامل من الدكان.
لكن، الأستاذ، وبأمانة العلماء، لم يدر هل بكاؤه يعزى للأسئلة المستعصية، أم للماهية «المنقرضة» قبل استلامها، أم لوجود حبوبة غلباوية تحول الصغار إلى محققين كبار يطرحون أسئلة عويصة؟