انطلق اليوم السبت المؤتمر الاقتصادي بعد انتظار طويل من أجل الوصول إلى رؤية اقتصادية موحدة ومنهج اقتصادي يقود حكومة الفترة الانتقالية نحو تحقيق التوازن الاقتصادي والخروج من الأزمات الاقتصادية المستفحلة، وليس غريبا عن الجميع الواقع الاقتصادي المتردي الذي شهدت فيه العملة السودانية انهيارا لم يحدث في تاريخ كل الحكومات الديمقراطية والعسكرية، مما يصنف الاداء الاقتصادي لحكومة الفترة الانتقالية بانه أسوا اداء اقتصادي يمر على السودان منذ الاستقلال.
لا يمكن استبعاد الأسباب المؤثرة التي قادت إلى تردي الاقتصاد في ظل حكومة الفترة الانتقالية وأهمها ورثة نظام الإنقاذ والحرب مع الدولة العميقة، وثانيها الخلاف المزمن بين الحكومة التنفيذية وحاضنتها السياسية قحت. دور الدولة العميقة كان متوقعا منذ البداية ولكن ما لم يكن يتوقعه الثوار والشعب السوداني هو الخلاف العلني والترصد الغريب من اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية و التغيير للبرنامج الاقتصادي للحكومة التنفيذية، ويمكن الجزم بأن هذا الخلاف الكارثي كان سببا رئيسيا في فشل مؤتمرات المانحين وفي تقلص دعوماتها المتوقعة إلى أقل مستوى، ثم جاءت كارثة إقالة وزير المالية وعراب برنامج حكومة الثورة الاقتصادي لتقدم دليلا بينا وواضحا على اضطراب المنهج الاقتصادي واختلاط الحابل بالنابل في الحكومة الانتقالية، وهو ما صدر الاسف والرثاء من الخارج على حكومة الثورة التي ارتضت ان تركع لضغوط بعض الاقتصاديين أصحاب الايدولوجيا التي عفى عليها الزمن واكلتها دابة الأرض.
البرنامج الاقتصادي لحكومة الثورة شهد صراعا بين الرؤية الرأسمالية لمجلس الوزراء والرؤية الاشتراكية لحاضنتها السياسية، والمؤسف ان الصراع تحول إلى صراع أيدولوجي بين عقيدتين اقتصاديتين لا سبيل لتطبيق احداهما الا في غياب الأخرى، وهذا بالضبط ما جعل الصراع حول البرنامج الاقتصادي صراع عدمي بلا جدوى ولا طائل، ونحن نتسآل هل سينتقل هذا الصراع العدمي إلى داخل مداولات المؤتمر الاقتصادي وينسفه نسفا ام ستكون هناك آراء توافقية تعبر بالمؤتمر وتخرج رؤية اقتصادية موحدة بين المؤتمرين؟!.
يعلم الجميع أن الثورة التي ثارت على السلطة المركزية لنظام الإنقاذ لا يمكنها أن تعيد تنصيب دولة مركزية جديدة تنهى وتامر وتملك بيديها وسائل الإنتاج وتعطل الابتكار وحرية التجارة وتقود إلى انتاج طبقة متسلطة جديدة كما في الايدولوجيا الاشتراكية، وفي نفس الوقت لا يمكن الموافقة على أن يترك غول السوق حرا بدرجة تقضي على كل ملامح العدالة الاجتماعية كما في الايدولوجيا الراسمالية، لذلك يبدو أن طرح برنامج ( اقتصاد السوق الاجتماعي ) هو الطرح المناسب والأقرب لوجدان الثورة وللروح التوافقية، حيث يقبل هذا الطرح اقتصاد السوق ولكنه يضع معاييرا حكومية لظروف العمل ويضمن توفير الخدمات الاجتماعية. فهل يقتنع به المؤتمرين، ام تتقاتل الايدولوجيات داخل قبة المؤتمر الاقتصادي ويخرج الجميع بخفي حنين؟!
sondy25@gmail.com