من باب النظر إلى الجانب المملوء من الكوب ، فإن المؤتمر الإقتصادي الذي رفع توصياته الأخيرة أول أمس ، ورغم ما صاحبهُ من أخطاء تنظيمية و(ضحالة) في محتوى الكثير من المُداخلات ، إلا أنهُ كان وبعد ثلاثين عاماً من المؤتمرات (الصَّورية) والمهرجانية ، تجرثبة أو (بروفة) أولَّية لما سيكون عليه حال السِجال الديموقراطي مُستقبلاً في ساحات السودان الجديد ، فعلى المستوى الظاهري بدا المؤتمر وكأنهُ ساحةً مفتوحة للخُطب وإعلان الرؤى التي كانت في كثيِرِ من الأحيان (خارج الموضوع) ،
لكن المضامين لم تخرُج عن الفكرة الإيجابية المُتمثِّلة في (إفساح) المجال للجميع دون حجرٍ ولا تمييز ولا تحيُّز للإدلاء بما في معيَّتهِم من أفكار ، أما على المستوى السلوكي فقد أعطى المنظِّمون لهذا المؤتمر دروساً مُعتبرة لمن يعتبِر في مادة الصبر على الإنتقاد و(العدائية) في طرح الرؤي المُخالفة ، أما أسوأ ما إحتواه المؤتمر من سلبيات هي تلك المُهاترات والهُتافات ومحاولات التشويش على المتداخلين ، والتي جعلت من المؤتمر أشبه بمؤتمر (مهرجاني) كتلك التي كان يعقدها النظام البائد (في الفارغة والمليانة) ، نعم المؤتمر الإقتصادي بالفعل كان يفتقد إلى هيمنة التخَّصُصية وشيئاً من الهيبة والرصانة.
* أتَّفهم جداً بأن الجنرال حميدتي حديثُ عهدٍ ببروتوكولات ومُتطلبات ممارسة المهام المدنية والسياسية ، خصوصاً على مستوى السقف السيادي الأعلى للبلاد ، وبالنظر إلى تاريخ قُدراتهِ ونجاحاتهِ المهنية والحياتية في مجالات عديدة بغض النظر عن تفاصيلها ومُلابساتها ، هو ليس أقل من (ناجح) إن لم نقُل (مُتفوِّق) ، لكن أظن الرجُل ما زال يحتاج إلى المزيد من الخبرة المُتعمِّقة في مادة (إنعكاسات) و(تداعيات) ما يُمكن أن يُحدثهُ خطاب أو تصريح من رجلٍ في مقام ومكانة المنصب الرسمي الذي يتقلَّدهُ ويُمثِّل فيه وطناً وشعباً وحكومةِ ثورة ، أقل ما وُصفت به عالمياُ أنها (أيقونة الوثبات الجماهيرية) ، لذا لا تروقني أبداً فكرة (تلقائية وإرتجالية) خطابات وتصريحات أصحاب المناصب الحسَّاسة خصوصاً المُنتمين للمؤسسة السيادية ، فالوزراء (عدا وزير الخارجية) يمكنهم أن يكونوا كذلك رغم دستورية مناصبهم لكنهُم في نهاية الأمر موظفي دولة وتنفيذيين ، وبذلك فإن الوزير يُنسب إلى الحكومة ولكن الحكومة وسياساتها ومستوى أداءها لا يمكن أن تُنسب إليه ، أما المنصب السيادي فهو ليس سوى الحكومة نفسها ، بكل توجُّهاتها وبرامجها وما يعتري أدائها من نجاحات وإخفاقات ، من غير المنطقي ولا المعقول تكرار الجنرال حميدتي في أكثر من مناسبة عبر خطابات جماهيرية ومفتوحة إعلانهُ (الإستياء) من فشل الحكومة الإنتقالية ، أو إعلانهُ بأنه والبُرهان وقوى الحُرية والتغيير (غير مفوَّضين من الشعب).
* الأفضل لمصلحة الوطن والشعب السوداني أن يعمل الجنرال حميدتي من (داخل) مؤسسات الدولة ووفقاً لصلاحياته المُمتدة والمُتشَّعِبة على إيجاد حلول أو (حدود) لما يحدُث من فشل إن وُجد هذا الفشل فعلياً ، لأنهُ ببساطة يقف على رأس هذه الحكومة التي حين يأتي يوم مُحاسبتها لن يُفرَّق فيها بين عسكري ومدني ، ومن جانبٍ آخر وإحقاقاً للحق و(بعيداً عن الغتغته والدِسديس) ، فإن قوى الحُرية والتغيير وشِقها المدني بالحكومة الإنتقالية قد حازوا (تفويضاً) من أغلبية الشعب السوداني عبر الكثير من المليونيات الشعبية الهادرة ، والتي كانت أيقونتها مليونية 30 يونيو 2019 ، فليبحث بعد ذلك مَنْ مَسَّهُ (شكٌ) في تفويضهِ عن حلولٍ لـ (مُشكلتهِ) دون إقحام الآخرين.