ليس استخفافاً كما سيعتقد بعض القراء، وليس تهكماً، ولكن وبكل الصدق أقول ( بالجد شكرا حميدتي ). وأقول له شكراً، لأنه بقصد او بدون قصدد، بزلة لسان او غير ذلك . كشف لنا ما كان يحدث داخل غرف الحكومة المغلقة. وحلّ لنا لغز هذا الارتفاع المفاجيء في سعر الدولار، وانخفاض قيمة الجنيه حتى وصل إلى الدرك السحيق.
القصة ليست حرباً من أركان النظام السابق كما كنا نعتقد .. القصة ليست أوراقاً مزيفة من الجنيه السوداني كما توهمنا. الرجل قال بعضمه لسانه (رغم ان اللسان ليس به عضم) إن سبب ارتفاع الدولار لأنهم (أي الحكومة) قامت بتدبير مبلغ التعويضات لضحايا التفحيرات حسب حكم المحاكم الأميريكية اي انه تم تدبير ما يقارب الأربعمئة مليون دولار، وذلك لرفع اسم السودان من القائمة الأميركية للإرهاب .
صحيح الفريق حميدتي لم يفصح عن الطريقة التي اتبعتها الحكومة لتدبير هذا المبلغ الضخم، ولكن وكما يقال (اللبيب بالإشارة يفهم) ونحن فهمنا، والحمد لله. وأيضاً الآن فهمنا لماذا تحاول الحكومة الانتقالية أن (تلف وتدور) في قصة تغيير العملة. مرة بارتفاع تكاليف تغيير العملة، ومرة أخرى بأن تغيير العملة لن يفيد في إيقاف تدهور الجنيه، وهي عمليات مكياج فقط كما عبرت عن ذلك وزير المالية دكتورة هبة محمد علي.
الحكومة لم تلجأ إلى تغيير العملة ولن تلجأ إلى ذلك؛ لأنها تعلم جيداً (زي جوع بطنها) سبب ارتفاع الدولار. ببساطة لأنها هي السبب في ذلك. كما كان يفعل النظام السابق عندما كانت الحكومة تشتري الدولار من السوق الأسود لدفع فواتير القمح والوقود للاسف الشديد مارست حكومة الثورة ذات الفعل، ودبرت الدولارات، وليتها دبرتها للقمح او الوقود فقط، ولكن دبرتها ايضا لدفع فاتورة ليس للشعب السوداني أي ذنب في تكاليفها .. ذنبهم فقط أنهم يحملون الجنسية السودانية، وذنبهم الثاني انهم تركوا عصابة المؤتمر الوطني لتتحكم فيهم طوال ثلاثين عاماً، فعاثوا في البلاد الفساد، وها نحن ندفع فاتورة ذلك من قيمة لبن الاطفال ودواء الملاريا، وبغباء وروعونة من حكومة الثورة .
ما آلمني وازعجني أكثر في تصريحات حميدتي أنه رئيس وزراء الثورة دكتور عبدالله حمدوك قال في تصريح سابق إن قيمة التعويضات تم تأمينها عبر قرض من أحد البنوك الاقليمية الافريقية. فمن نصدق الآن.. هل نصدق حميدتي أم نصدق حمدوك؟ وهل تملك حكومتنا الشجاعة الكافية لتفك هذا الاشتباك بين تصريحات الرجلين؟
أين هي الشفافية التي طالما نادى بها الثوار ووضعوها كأحد اهم شعارات الثورة بعد الحرية والسلام والعدالة؟ وما قاله حميدتي ليست هي الشفافية التي طالب بها الثوار، وكذلك من ما صرح به حمدوك في وقت سابق ليست هي الشفافية أيضاً… يا السادة الشفافية أن تصارح شعبك قبل أن تتخذ قرارك.. الشفافية ليس بمعنى أن تقول لشعبك .. (نحن دبرنا مبلغ التعويضات).. الشفافية أن تقول لشعبك سندبر المبلغ من المصادر الفلانية والعلانية… هل انتم موافقون؟
وطالما أنكم دبرتم المبلغ، ووجدتم المماطلة من الجانب الأميركي .. اقلبوا أنتم ايضاً ظهوركم لهم واستغلوا هذه الأموال في فك الضائقة التي نمر بها حالياً في الوقود والخبز، وما تبقى استخدموه في تأمين احتياجات الموسم الزراعي الشتوي.. والله الذي رفع السموات بدون عمد ذلك افضل للشعب السوداني المغلوب على أمره.
حقيقة اندهش للكيفية التي يتم بها اتخاذ مثل هذه القرارات المهمة داخل أروقة الحكومة.. يتخيل إليّ أن احدهم أقنع بقية الطاقم الحكومي أن على الحكومة أن تشتري الدولارات من السوق الأسود، وندفع التعويضات، وننتهي من هذه القصة المملة، ومهما ارتفع سعر الدولار سننجح في كسب قروض من صندوق النقد والصندوق الدولي وباقي البيوتات المالية بعد رفع اسم السودان من القائمة السوداء، وبعد استلام هذه القروض سينخفض الدولار لسابق عهده.
يتخيل لي أن هذا هو السيناريو الذي حدث داخل أجهزة الحكومة! وحتى يصدر بيان رسمي من الحكومة لتأكيد أو نفي ما قاله الفريق حميدتي سأكون مضطراً إلى تصديق هذا السيناريو .
كان الله في عوننا.
رمزي المصري