إنفصال دولة واحدة كثيرا ما يقود إلى علاقة عدائية بين الدولتين الجديدتين، إلا إن السودانيين كانوا استثناءا فريدا، إذ رغم الانفصال يحمل السودانيون شمالا وجنوبا لبعضهم الحب والوفاء، ومن ثمرة هذا الوفاء كان توقيع اتفاقية السلام النهائية بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية في جوبا اليوم السبت برعاية شعب وحكومة جنوب السودان.
نعم السلام تم مع الجبهة الثورية فقط، اذ مازال هناك فصيل الحلو وفصيل عبدالواحد يمانعان في الجلوس إلى طاولة التفاوض ضاربين عرض الحائط بنداءات الشعب السوداني للسلام، ولكنهما طال الزمان ام قصر سيجلسان للتفاوض لأن الحرب لم تعد سلعة رائجة في هذا العصر، وتجارها لم يعد يحتفي بهم احد، فالسلام أصبح مفردة عالمية، والحقوق أصبحت لغة دولية لا يحتاج فرد أو حركة إلى السلاح لكي ينتزعها، يكفي أن يناضل لأجلها سلميا عبر الطرق المدنية وسينتزعها لا محالة مادامت حقوقا عادلة وحقيقية.
توقيع الاتفاقية في جوبا حظى بحضور دولي جيد رغم ظروف جائحة كرونا، ومن الملاحظات غياب التمثيل العربي الرفيع، إذ اقتصر أعلى تمثيل عربي على رئيس وزراء جمهورية مصر العربية، بينما شارك رؤساء دول أفارقة في حفل التوقيع، وهي صورة معكوسة عن ما حدث في كارثة الفيضان، إذ كان دعم الدول العربية للسودان ضخما بينما كانت مساهمات الأفارقة صفرا كبيرا. هذه الصورة توضح ان مؤتمرات المانحين لدعم اتفاقية السلام اذا لم تتصدرها الدولة العربية فسيكون مردودها ضعيفا. وفي ذلك من المهم إتاحة الفرصة لدولة الإمارات العربية المتحدة التي كانت الرقم الأول في الوسطاء المؤثرين في مفاوضات جوبا، لكي تكون مقرا لمؤتمر المانحين لدعم تنفيذ اتفاقية السلام، وأتوقع أن يثمر مؤتمرها دعما مقدرا، خاصة وأن اتفاقية السلام تحتاج دعما ماليا ضخما من أجل إعادة إعمار ما دمرته الحرب واعادة توطين اللاجئين والنازحين ودمج وتسريح قوات الجبهة الثورية.
من المؤسف اننا الدولة الوحيدة في أفريقيا التي مازالت تتقاتل عبر السنوات الطوال قتالا مهلكا بين ابناءها لأسباب سياسية واجتماعية يمكن أن تحل بين أبناء الوطن الواحد في جلسات الحوار والتفاوض، يجب أن نعمل جميعا على ان تطوى صفحة الحرب في السودان إلى الابد، لابد من اختراق حقيقي يقود إلى إسكات نهائي لصوت البندقية، وهذا ما يحققه مقترح ان يتجه السودان إلى قيام دولة فيدرالية تتمتع فيها ولايات السودان الكبرى ( دارفور، كردفان، الوسط، الشمالية، الشرق، الخرطوم) بحكم فيدرالي تحتكم فيه كل ولاية إلى تشريعات خاصة بها مختلفة عن تشريعات بقية الولايات او مشابهة لها في مصدر التشريع والقوانين الاستثمارية والجنائية وإلخ، وكل ذلك تحت ظل دستور مركزي واحد عام يتضمن القيم العليا في المواطنة المتساوية وحقوق الإنسان والمشاركة والديمقراطية، ليتحول السودان من جمهورية السودان إلى الولايات المتحدة السودانية. الدولة الفيدرالية ستجيب على أسئلة الحرب والهوية وستعالج قضية الدين والدولة وتقود البلاد إلى سلام مستدام.
sondy25@gmail.com