إلتقاء حميدتي بعبدالعزيز الحلو اليوم الخميس كان مفاجئا لأن الجميع يعلم أن الحلو وحركته أعلنوا رفضهم الجلوس لطاولة المفاوضات ما لم يتم إبعاد حميدتي عن وفد الحكومة، النبرة الحادة في بيانات الأمين العام للحركة الشعبية عمار دلدوم ضد حميدتي جعلت الجميع يظن بأن الأمر صعب ومعقد، والمفاجأة لم تقف عند اللقاء فقط بل ظهرت في التصريح الثلاثي عقب اللقاء من حميدتي والحلو وقلواك، حيث أكدوا جميعا تجاوز كل العقبات والاستعداد للرجوع للتفاوض.
واضح ان حكومة جنوب السودان هي من جعلت هذا اللقاء ممكنا بعد أن كان يبدو من المستحيلات، حكومة الجنوب لها ايادي بيضاء على الحلو وحركته، ولا يستطيع الحلو ان يعض هذه الايادي، بالمقابل لحميدتي ايادي بيضاء على حكومة الجنوب، حيث قاد مفاوضات السلام الناجحة بين الفرقاء الجنوب سودانيين، ونجح بامتياز في توقيع سلام جنوبي جنوبي فشل فيه قادة دول كبار، لذلك صعب ان يطعن الجنوبيون حميدتي من الخلف، وعبر من؟ عبر حليفهم التاريخي الحلو، لهذا ربما ضغطت حكومة الجنوب على الحلو وساقته لهذا اللقاء.
اللقاء لم يكن مفيدا لقضية السلام السودانية فقط وإنما مفيدا ايضا لحكومة جنوب السودان التى نظمت قبل أيام قليلة حفل توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية والذي شهدته وفود عالمية رفيعة، هذا الاحتفال عكس صورة جديدة جميلة لجنوب السودان، صورة الدولة التي ترعى السلام وتعمل له، لذلك من مصلحة حكومة جنوب السودان مواصلة لعب هذا الدور الذي يقدمها بصورة مغايرة عن تاريخها في الحروب الداخلية ويغذيها بالامل ويفتح لها أبواب العالم والمستقبل.
هذا اللقاء والتصريحات التي اعقبته كشفت ان اصل السبب في إبعاد حميدتي عن التفاوض ليس الحلو، وإنما الجوقة التي حوله من انصاف الساسة أمثال محمد يوسف احمد المصطفي، فهؤلاء النخب المعقدين والمتفلسفين ارادوا ان يجعلوا من الحلو اراجوزا في يد الحزب الشيوعي فجمعوا له لافتات الحزب الشيوعي، تجمع المهنيين ثم تجمع الأجسام المطلبية ليوقعوا معه اتفاقيات بكماء لا تسندها قوة ولا جماهير، وقد انكشفت هذه الخدعة في مليونية الاحتفال باتفاق الحلو حمدوك التي لم يحضرها سوى عدد هذيل يمثل كوادر اليسار وحفنة من السذج.
توقيع اتفاق السلام مع الجبهة الثورية وحيازتها على قسمة عظيمة في السلطة والثروة ربما أشعرت الحلو كذلك بمقدار الخيبة والسذاجة في تقدير حركته للامور، وربما هو بهذا اللقاء يعيد ترتيب الأمور، ويحاول العودة عبر باب القوة الحقيقية على الارض وليس عبر اللافتات، لعله يلحق ما تبقى من اتفاقات حقيقية.
حميدتي من ابناء الهامش، فإن كانت الحركة الشعبية تتحدث باسم أبناء الهامش فعليها أن تحتفي به لا ان تصارعه، ولكن يبدو ان من هم حول الحلو أرادوا إبعاد رجل الهامش حميدتي من أجل مصلحة أفندية الخرطوم وإعادة تمركز المركز وضرب مشروع الحركة الشعبية في مقتل، وهو مخطط أفشلته حكومة جنوب السودان وأنقذت الحلو بهذا اللقاء من هوس المهووسين وتنطع النرجسيين من حوله.
قوات حميدتي هي التي رجحت كفة النظام البائد على الحركات المسلحة، وهي مهمة فشل فيها الجيش النظامي، بغض النظر عن الطريقة، ولكنها الحقيقة التي لا يمكن القفز عليها، وبالتالي فالمنطق يقول إن كان ثمة سلام فلا يجب أن يتخطى قائد هذه القوة، هذا غير تمتع حميدتي بنفوذ إقليمي ملحوظ، في المقابل حين رفضت الحركة الشعبية حميدتي طالبت بحمدوك، وحمدوك ومجلس وزراءه يعانون من ضعف مهين، ولا اظنني أبالغ ان قلت ان المجلس الحالي هو أضعف مجلس وزراء مر على تاريخ السودان، لذلك لن يستفيد الحلو من توقيع اتفاق سلام مع مجلس وزراء ضعيف، وخير له أن يوقع مع الأقوياء حميدتي والتعايشي.
الحلو هو الرابح الأكبر من هذا اللقاء، بينما الخاسر الأكبر هو الحزب الشيوعي ولافتاته المتعددة وكادره المزروع في قلب الحركة الشعبية محمد يوسف احمد المصطفى. المتبقي هو ان يتخطى الحلو الإصرار على وجود مصطلح العلمانية في الدستور ، فما قدمته الحكومة في اتفاقها مع الجبهة الثورية من إقرار للمواطنة كمصدر للحقوق والواجبات، وإبعاد للدين عن التأثير على كل ما يتعلق بالدولة، هو مستوى كاف جدا من الحقوق في هذه المسألة، وليس من الصالح إقحامها مرة أخرى والمساومة عليها بحق تقرير المصير، اللهم إلا إذا كان الحلو انفصاليا كامل الدسم، عندئذ فمن الأفضل أن يعلنها الحلو بوضوح بدل اللولوة فقد انتهى زمن ( الغتغتة والدسديس) .
sondy25@gmail.com