لكي توصف دولة ما بأنها من دول العالم الثالث، فهذا يعني أن بها صفات عديدة تجعلها دولة متخلفة عن ركب العالم المتحضر وقابعة في الحضيض، دولة العالم الثالث كما وصفها الفريد سوفيه منذ قرن تقريبا هي الدولة التي تعاني من الاتي: الفقر وارتفاع عدد المواليد والسكان في وسط فقير، ارتفاع عدد الوفيات الناتجة عن تفشي الأوبئة والأمراض، الاعتماد على المنح و الدعم من الدول الأخرى الكبرى، البعد عن النشاط الصناعي المنتج والعيش على النشاط الرعوي، عدم الاستقرار السياسي وغياب الكفاءات والخبرات، تفشي الأمية و شيوع الهجرة إلى المدن، ضخامة الديون وارتفاعها والافتقار إلى الاكتفاء الذاتي الاقتصادي، اللجوء إلى تصدير المواد الخام والاولية الموجودة في اراضيها، وضعف المبادرة والمثابرة في السكان .
الصفات أعلاه منطبقة على بلادنا بالكامل، بل يصلح السودان لأن يكون مثالاً معيارياً لدولة العالم الثالث، وجودنا ضمن دول العالم الثالث يصنفنا كدولة فاشلة ومتخلفة، ويقلل من نسبة امكانية قدرتنا على النهوض في المستقبل المنظور، وبالتالي يجعلنا مجرد دولة عالة على الاخرين او تمومة جرتق بين دول العالم، وهو وضع لا يمكن أن يقبله احد ولا يرتضيه شعب حر، فما بالك اذا كان هذا الشعب من مفجري الثورات، ام اننا نفجر الثورات فقط ونتجمد عند لحظة انتصار الثورة؟!.
الثورة لا تعني فقط الإطاحة بالدكتاتور بل تعني العمل على التغيير الجذري والمقاطعة الابدية مع الواقع الشمولي المليء بالظلم والجهل والتخلف، والانطلاق نحو الواقع الديمقراطي المليء بالندية والتنافس والتشارك والعمل والنجاح. أسهل مراحل الثورة هي مرحلة الإطاحة بالدكتاتور عبر المواكب والمظاهرات، وأصعبها هي مرحلة بناء التغيير وتجذير المقاطعة التاريخية والثقافية والمجتمعية والسياسية مع الشمولية وكل أسبابها وعواملها، انجزنا المرحلة السهلة واطحنا بالبشير وها نحن الان غارقون تماما في المرحلة الأصعب، اذا نجحنا فيها سنخرج للنور وإذا فشلنا فيها سنعود حتما للظلام ونظل في مستنقع الجهل والتخلف والدكتاتوريات.
المرحلة الراهنة صعبة جدا وليست مستحيلة، نجاح التغيير فيها يحتاج إلى طبقة سياسية متفهمة لطبيعة المرحلة، قادرة على إنجاز الوحدة، ومؤمنة بضرورة العمل المشترك، اي صراع او تفرقة أو نزوع نحوهما سيشتت الجهود ويقود الجميع للفشل. الخروج من دول العالم الثالث يجب أن يكون هدفنا جميعا سياسيين وشعب، لا يجب ان نهتم بمن يخرجنا بقدر اهتمامنا بكيف نخرج؟ الحقيقة الوحيدة هنا ان هذا الخروج لن تصنعه فئة واحدة مهما كانت قدراتها بل يصنعه الجميع معا، احتجنا إلى وحدة عظيمة جدا خلال الثورة لإسقاط البشير، مع أن هذه كانت أسهل المراحل في الثورة، اذا تلزمنا وحدة خارقة من أجل النجاح في المرحلة الراهنة الأصعب.
للاسف طبقتنا السياسية تعاني من أزمات صراعية وخلاف غير موضوعي، سيقود بلا شك إلى فشل أحلام التغيير، ما لم ينتبه الشعب إلى ذلك ويضغط من أجل وحدة سياسية شبيهه بالتي حدثت في الثورة، ما لم يحدث إجماع على حكومة انتقالية برضا الكل، ودعم مستمر لها من السياسيين والشعب، ستكون عملية العبور صعبة جدا ان لم تكن مستحيلة، كيف نصنع هذه الوحدة؟ هذا هو دور كل مواطن وخاصة الشباب، استلهام روح الوحدة أيام الثورة يجب أن يكون هدفا لاستلهام وحدة جديدة في هذه المرحلة، يتم بها الضغط على السياسيين والحكومة من أجل إنجاز العبور بالوطن نحو الديمقراطية والعدالة والسلام.
sondy25@gmail.com