في الانتخابات الأخيرة التي سبقت الانقلاب العسكري لعمر البشير أحرزت الجبهة الإسلامية القومية المرتبة الثالثة بعد حزبي الأمة بقيادة الصادق المهدي والاتحاد الديمقراطي بقيادة محمد عثمان الميرغني.. وبهذه النتيجة الرائعة، فإنها أصبحت تمتطى سرجاً واحداً مع أعرق الأحزاب التقليدية في السودان!
الجبهة القومية رغم انها من الأحزاب ذات الطعم العرقي .. إذ إنها منذ انبثاق ثورة اكتوبر كانت تحتل المرتبة الأخيرة في كل الانتخابات، إلا أن احرازها هذا التفوق الأخير كان ينم بأن أسلوبها في العمل السياسي أصبح له طابع مقبول لدى الشعب السوداني الذي بدا ربما يدرك أنه امام موجة من الوعي القادم، وبكل القه يتفجر ليعم البلاد بنور الوهج الإسلامي!
كان هذا التفوق أو القبول الكبير من قبل الشعب السوداني لهذا الكاسح الجديد في عالم السياسة سببه أن هذا الشعب حباه الله نعمة التدين، وكان يتوق لمثل هذا البرنامج الذي ربما سيفتح له باباً جديداً يدلف منه نحو تطوير الذات والدنو من تطوير وازدهار البلاد، وبالتالي فإن هذه الانوار التي بدأت تسطع من كبد السماء سوف تغلق كل تلك الأبواب التي تدخل من خلالها كل أبواق الطائفية بعقولها وافكارها وتطلعاتها القديمة!
هكذا كان جلّ الشعب السوداني يرفل في أحلامه الجميلة، ويمني نفسه بارتداء لون جديد من الثياب، وكان هذا الحزب القادم بكل عنفوان، إن كان له صبر جميل، له القدرة بكل شموخه أن يتسلق جدار السلطة عبر أجواء الحرية والديمقراطية في الانتخابات القادمة، إلا أنه كتب لنفسه شهادة الموت الزؤام من خلال انقلابه المشؤوم في تلك الليلة السوداء، بقيادة ضابط لا يفقه شيئاً في دنيا السياسة يدعى عمر حسن أحمد البشير، كان يحتل المرتبة الأخيرة في الامتحانات بمدرسة الخرطوم الثانوية القديمة، وهو دفعة أخي الدكتور بكري طنون، وعمر بابا وكثير من زملائي في العمل أقروا بغبائه!!
هذا الانقلاب هو الذي أودى بالحركة الإسلامية في ربوع البلاد، وهو الذي قتل هذه الحركة في مهدها، وهو الذي أتى بنظام جائر أفسح المجال لكل تافه ملعون يسرق وينهب من قوت الشعب المسكين.. أما الافذاذ والشرفاء من أعضاء الحركة فقد ولوا من هذه الدهاليز المعتمة قبل أن تدهمهم لعنات البشر.