وزيرة المالية الدكتورة هبة محمد علي تبعت رئيس الوزراء حمدوك في شكواه بأن أن 82% من إيرادات الدولة غير مسيطر عليها، وأن كل ما في أيديهم حوالي 18% تدار به الدولة، كأنما المطلوب من هذه الشكوى أن يقوم الشعب نيابة عنهم باسترداد المفقود من المال، وعليهم أن يجلسوا القرفصاء بمكاتبهم جامدين مجمدين، لا شغل ولا مشغلة، كأنما أتينا بهم زينة وعاجباني!
أليس غريباً وعجيباً أن تمر سنة كاملة، ولا يتخذ رئيس الوزراء أي قرار يحس به المواطن، كأنما أتي به لإخماد الثورة وممالأة النظام البائد، وكأننا قد بلعنا طعم النظام، حين أراد تعيين حمدوك وزيراً للمالية، ولو لا بعض الضغوط عليه لقبل الوزارة، وليته جاء لكان اليوم لنا شأن آخر، ربما مع شخصية أكثر ديناميكية من هذا البرود والعجز.
من منكم يتصور حتى الآن أن بنك السودان المركزي يدار بالقانون السابق، بل ولا أحد يعرف على وجه الدقة إلى أي سلطة يتبع، وقد وعدنا حمدوك في أثناء لقائه مع عثمان ميرغني بأن تعديل قانون بنك السودان سيتم قريباً، والآن مرت شهور، ولم يستطع أن يعين مديري البنوك الأخرى، ناهيك عن بنك السودان، أي محنة نحن فيها؟
وقد استمعت لتسجيل لمديرة الإصدار ببنك السودان، تطالب فيه بتعيين محافظ للبنك جديد بدلاً من الحالي، لأنه لا يحرك ساكناً، وهو على شاكلة حمدوك وطبعاً أوضحت المتحدثة أن مهمة البنك السيطرة علي الكتلة النقدية، وحسن إدارتها، وانتقدت بطء حمدوك وعدم تغيير العملة منذ أول يوم لتشكيل الوزارة، وكشفت أن النظام البائد كان يطبع نقوداً كثيرة، ويأخذ جزءاً منها للمؤتمر الوطني، أي أن النقد خارج سيطرة البنوك غير معلوم المدى، وهو مؤثر تأثيراً مباشراً في نسبة التضخم، وما يحدث من فوضى في سوق المال، وسعر الدولار، وأضافت أن كل هذه الأموال تم تجميدها سواء في شكل دولارات أو ذهب أو عقارات، أرأيتم إلى أي مدى تصل المحنة التي وقعنا فيها؟ وإلى أي مدى قادنا عجز حمدوك ووزيرة ماليته التي تزيد الطين بلة بقولها المخل والمتواضع أن تغيير العملة مجرد ديكور وشكلي، لا يغير من الأمر؟
ومن هنا يتضح أنها لا تعرف مدى الخراب المالي الذي وقعنا فيه، فكيف نرجو منها معالجته، أليست هذه محنة أخرى، تضاف إلى المحن التي تحدق بنا؟ من أي كوكب أتى هؤلاء ليتحكموا فينا؟!
ولا تعرف وزير المالية حتى الآن أن أهم إيرادات ماليتها: الجمارك والضرائب والزكاة، لا تزال حساباتها في بنك فيصل الإسلامي، ما يعني أن التصرف في هذه الإيرادات لا يزال في أيدي النظام السابق، وتشكو –وحق لها الشكوى لأن فاقد الشيء لا يعطيه-.
يا وزيرة المالية، عليك اتخاذ قرار حاسم بمنشور عام للوحدات المالية والإدارية وشركات الدولة بإغلاق حساباتها في البنوك الأخرى، وتحويلها بأرصدتها لبنك السودان، حتى يتحكم بنك السودان على الأقل في الكتلة النقدية للإيرادات، وتبعا له التحكم في الصرف، من هو الذي تريد الوزيرة أن يتخذ لها القرار؟
ونسأل الوزيرة التي ما تركت زفة وإلا وكانت فيها كعارضة الأزياء، ولها في المؤتمر الاقتصادي صور كانت فيها نائمة، نسألها: ماذا فعلت بخصوص شركات الجيش؟ وأبسط إجراء: إغلاق حساباتها وأرصدتها بالبنوك الأخرى، وتحويلها لبنك السودان، هل أمرت المراجع القومي بمراجعة هذه الشركات؟ هل تعلم أن هذه الشركات معفاة تماماً من الجمارك والضرائب وكل العوائد؟ هذه أول خطوات، ولا أثر لها حتى الآن.
هل تعرف الوزيرة عدد شركات النظام البائد التي تفوق 170 شركة؟ هل اتخذت فيها أي إجراء؟ ونسألها: ماذا فعلت لتحسين الإيرادات؟ هل قامت بزيارة لشركات الأقطان؟ هل تفقدت شركة الحبوب الزيتية؟ هل حاولت إحياء شركة الصمغ العربي؟
وأسأل الوزيرة: هل لفت انتباهك حساب الطيران ومديونيته على أميركا؟ وهو مصدر آخر من مصادر العملة، وهل فكرت في التعامل هع هذا الحساب، وكيفية مراجعته بواسطة فريق مؤهل تأهيلاً عالياً جداً بالاتفاق مع الطيران على مراجعة هذا من البداية حتى النهاية، وهل هناك دول دفعت من قبل أم كلها ديون؟ ربما نكتشف أرصدة مهولة، ونكتشف أيضا فساداً ما، ربما، من يدري؟ وهل ترك الجماعة حاجة ما أفسدوا فيها.
وكذلك أرجو من الوزيرة أن تشكل وفوداً مؤهلة من المراجع القومي ووزارة المالية والنائب العام للقيام بزيارات لدول الخليج والصين وتركيا لمعرفة حجم القروض وحجم الهبات، وهل وصلت جميعها لبنك السودان أم لا؟ حتى نعرف مالنا وما علينا من ناحية، ونعرف حجم الفساد المنسي في هذا المجال، وتحديد المتهمين فيه من أفراد وشركات النظام البائد، وعمل التسويات اللازمة، وتحويل ما يمكن تحويله لقضايا، وإلا كيف سنكشف الفساد البعيد عن العيون في العلاقات المتشابكة، هذه كلها مهام بانتظارك، وتنتظر الحل، وتحتاج لعمل مضن، وشاق، يحتاج لبرنامج وفرق مؤهلة مساعدة !!
إن محنة وزارة المالية في الفترة الانتقالية أن من تولوها لا يعرفون عنها شيئاً، شأنها شأن كل الوزارات وهذا هو مكمن الفشل، وبيت الداء، إن هؤلاء الوزراء ورئيسهم غرباء على العمل في السودان، ويجهلون خبايا ودهاليز العمل، وما جرى من خراب طيلة ثلاثة عقود، ومن ثم يجهلون كيفية المعالجة، حتى إنهم فشلوا في عمل برنامج عمل يهتدون به، لذلك صدق من عارضهم ووصفهم بعديمي الخبرة، وعاجزين، وعجزهم شهد به القاصي والداني، ويشهد به حال الوطن، الذي جعل الناس (تخت ايدها علي قلبها )، والكل يقول في تأوه وحسرة ( البلد دي ماشة لوين الله يستر ).
وكنت مبتدأً تنبأت بهذا، وخشيت على قحت في أول مقال لي على هذا الموقع الأغر أن يهتف الناس: (عائد عائد يا البشير)، والآن في وسائل التواصل الاجتماعي صدرت أغنية شعبية تتحسر على المخلوع ونظامه، وتقول: (بي رقيصك تعال ليا وشوف الحصل ليا).
وزيرة ماليتنا ما لها غير المناظر واللبس الملفت للنظر، كأنها تريد أن تشغل الناس عن فشلها، ونحن نشهد لها حتى الآن جموداً غريباً، لا يتماشى مع من يتولى وزارة المال في بلد منهك، فعلى الأقل الأخ البدوي كان يفكر في التحرك العربي، والاستفادة من الصناديق والبنوك العربية علي الأقل لتمويل السلع الضرورية، لكن مستشاري حمدوك (جماعة المزرعة) عملوا على إقالته وعرقلة عمله، وأتوا بهذه ليتلاعبوا بالعمولات في السلع الضرورية، ولعله اتضح جلياً أن الدكتور حمدوك الذي يتحدث في كل مرة عن التمرين الديمقراطي بامتياز، اتضح أنه أكبر جهوي فكل التعيينات التي قام بها ما أريد بها وجه الله والوطن والثورة، وإنما توزيع المناصب للأقرباء والمحاسيب والأصدقاء، مما زاد عجزه لأنه لا يستطيع أن يقيلهم لأنهم شلوا يمينه بالواسطات والفساد، لأن مبادئ معايير الاختيار للمناصب كانت خاطئة.
هل هذا رجل أمين علي الثورة وحيويتها ومسيرتها إن لم أقل إنه يقودنا إلى حتفنا بظلفنا للأسف الشديد، وقحت نفسها بدت وكأنها غريبة على الوطن، مما زاد الوضع طقسا على أبالة!!!
أرجو أن تضخ رياح السلام روحاً جديداً ونفساً قوياً، يرتق حال البلد مما فيه، وأتمنى أن يتواطأ الشركاء على حكومة كفاءات فعلاً، لا قولاً، دون أي محاصصة، وتكون هذه الكفاءات من داخل البلد، حتى تستطيع إنجاز ما يليها من أعمال بعد هذا الموت البطيء الذي زاد الوضع سوءا على سوئه !!!