لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يؤمنون (يوسف:111).
التاريخ هو ماضى الأمم و الشعوب. و أمة أو شعب بلا تاريخ كشجرة بلا أوراق . والسودان الحديث بحدوده الجغرافية المعروفة قبل انتقاصها في اتفاقية نيفاشا ٢٠٠٥م التي كانت تبلغ مليون ميل مربع من حلفا الي نمولي، ومن الجنينة الي سواكن .
هذا السودان من صنع المهدية. و نحن دائماً نقول: المهدية أعطت السودان الحديث أربع تاءات: ١/ التحرير 2/التوحيد ٣/ التعريف ٤/ التشريع.
وعندما سقطت دولة المهدية علي سفح جبل كرري في ٢ سبتمبر ١٨٩٨م، ودخل الغزاة وجدوا دولة لها حدودها الجغرافية، ولها علمها الذي يميزها، ولها عملتها الوطنية، ولها دواوين إدارية وجيش نظامي. تلك هي مقومات الدولة في ذلك الزمان.
وبعد أن استقر الأمر للمستعمر أول ما بدأ به هو كتابة تاريخ المهدية. فقد شجعوا أقلامهم الاستخباراتية لكتابة تاريخ المهدية. فكتب و نجت وسلاطين وشاكر الغزي وإبراهيم المفتي ومستر هلت والمراسل الحربي ولسون شرشل وغيرهم.
وكانت الفكرة من كتابة تاريخ المهدية بتلك الأقلام العدائية هو تبرير الهزائم التي منيت بها بريطانيا العظمي من قبل المهدية. إن ما حدث من انتصارات للمهدية ضد دولة بريطانيا العظمي، تلك الإمبراطورية التي لا تغيب الشمس عن مستعمراتها. بريطانيا التي استعمرت الهند والصين وجنوب افريقيا وقارة استراليا وأجزاء من أميركا اللاتينية. فكانت بحق تكني ببريطانيا العظمي great Britain .
إلا أنها هزمت من قبل دولة المهدية. في معركة أبا الأولي، ثم معركة راشد بك أيمن، ثم معركة الشلالي، ثم معركة شيكان الشهيرة التي هزت كبرياء الإمبراطورية العظمي، ثم توجت المهدية انتصاراتها بتحرير الخرطوم، وقتل الأسطورة غردون، الذي كان يكني بمأدب الثوار حتي أن الزعيم اليساري كارلو ماركس بعد انتصارات المهدية الأولي كتب لرفيقه فريدريك انجل قائلاً: “إن الاخبار التي تأتينا من السودان هذه الأيام أخبار مثيرة للفكر. وستدفع بنا في أن نجيل النظر في مجمل المذهب الشيوعي الذي ندعو إليه. وستجبرنا علي إعادة التأمل فى حديثنا عن أن الدين إنما هو مجرد إفراز للوضع الطبقي”.
إن الدين الإسلامي بهذه الصيغة المهدية في السودان أصبح رافداً من روافد الثورة العالمية ضد الإمبريالية. إن وراء تلك الانتصارات رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه. رجال مثلوا السودان فكان القائد المهدي الإمام وخليفته عبدالله التعايشي والخليفة علي ود حلو والخليفة محمد شريف، ثم أمراء مثلوا جهات السودان المختلفة، فكان دقنة رمزاً لثغرنا الحبيب، وأبوقرجة و عبدالرحمن النجومي للشمال، وأبوعنجة والزاكي طميل والنور عنقرة وودحبوبة وغيرهم من الذين كانوا حول الإمام الأكبر دخلوا الخرطوم، ووجدوا من تحلق حول الغازي غردون. من الذين رضوا بأن يكونوا في صف الغزاة. و اليوم احفادهم يثأرون لمواقف أجدادهم. فمنهم من كتب يقلل من شأن المهدية، ومنهم من وصل الي موقع القرار فحذف تاريخ المهدية من المنهج الدراسي حتي لا يعلم الأحفاد ما صنع الأجداد. ولكن هيهات هيهات فإن تاريخ المهدية هو تاريخ السودان الحديث، وإذا حذف تاريخ المهدية من المناهج هل يدرس تاريخ الميل أربعين أم تاريخ الذي قسم الرسالة الخاتمة الي رسالتين مكية ومدنية.
هذا تلاعب بمصير أمة، فلا ينبغي علينا السكوت علي هذا العبث الذي يقوم به المدعو القراي، الذي شوه تاريخه، ولم يثبت علي مبدأه إبان مايو، وكفر شيخه فها هو اليوم يعبث بتاريخ أمة. تاريخ صنع هذا السودان الحديث وحرر السودان من الإمبراطورية العظمي في ٢٦ يناير من العام ١٨٨٥م، في وقت كانت فيه كل أفريقيا وآسيا وقارة استراليا وأمريكا اللاتينية كلها تحت نير الاحتلال، فكان سودان المليون ميل مربع.
* نائب الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار