بعد كتابة مقالي الأخير (اضاعوكِ وأي ثورة أضاعوا)
واجهت نقداً لاذعاً وهجوماً غير مسبوق في عدة مواقع إلكترونية وعدة مجموعات خاصة،
تم نقل المقال لها من صفحتي، وتكرم بعض الاصدقاء بمدي بعدد من الكتابات اللاذعة في
العبد لله.
بداية أرحب جداً بالرأي والرأي الآخر فقط في حدود
الاحترام المتبادل، وعدم الخوض في المسائل الشخصية.
لي رأي يجب أن تحترمه، ولك رأي يجب ن أحترمه. وإذا
احتفى أحد مؤيدي النظام السابق بما كتبته وطفق ينشره من قروب لآخر ظاناً أنه (جاب
الديب من ديلو) وهو يردد ( وشهد شاهد من أهلها)، فذاك لا يعنيني كثيراً، فهذا
المسكين لم يفهم المقال من أساسه.
نعم انتقدت الحكومة الانتقالية، ومازلت مصراً وملحاً على
أن واحداً من أقوى الأسباب التي أقعدت بالثورة حتى الآن هو الاختيار الخاطئ
للمناصب الوزارية، والمناصب العليا الأخرى في الدولة
.
سواء كان حمدوك أو قوى الحرية من اختار، فهناك عدم
توفيق لدرجة كبيرة جداً في اختيارات معظم الشخصيات التي تقود العمل التنفيذي الآن .
وما لم يتم تدارك هذا الأمر بإجراء جراحات عميقة، وإبعاد
العناصر الهشة والرخوة من داخل كابينة قيادة ثورة ديسمبر، فإننا للأسف لن ننجح في
العبور .
بعضهم يهاجمني بأنني أرمى باللوم على الحكومة المدنية؛
متجاهلاً المكون العسكري الذي يقوم بالدور الرئيس في تحجيم أحلام الثورة والثوار.
نعم اتفق معكم أن المكون العسكري يقف في وجه أي إصلاح
ممكن، ولكن ليس لقوة هذا المكون، بل لضعف المكون المدني الذي اخترناه نحن أو كما
قال لي أحد الاصدقاء (شبه لنا أننا اخترناهم)، وقد أعجبتني جداً مقولته .
أسألكم بالله: هل أي أحد من أعضاء المكون المدني لمجلس
السيادة يستحق الوقت الذي أضعناه في تحديد نسب مشاركة المدنيين في مجلس السيادة في
بداية تكوين هذه الحكومة، والاجتماعات الماراثونية التي كانت تجري بين قوى الحرية
والتغيير والمجلس العسكري، والمؤتمرات الصحفية التي كنا ننتظرها لما بعد منتصف
الليل وأنفاسنا محبوسة. هل أحدهم يسوى الوقت الذي أهدرناه؟ .. أترك لكم الإجابة، ولن
اخوض في التفاصيل.. كما يقال (الجواب باين من عنوانه)
.
أعود وأقول ان مشكلة حمدوك وحكومته أنهم لم يلتفتوا إلى
القوة الحقيقية التي تسندهم. هذه القوة هي قوة الشارع، وقوة شباب الثورة .
حمدوك رجل سياسي من الطراز الهادئ الرزين رغم أن الثورة
لا تحتاج إلى كل هذا الهدوء في كل الأوقات. نحتاج إلى القوة، وأحياناً إلى بعض
البطش في إطار القانون .
تصوروا معي لو ان حمدوك طلب من لجان المقاومة ولجان
التغيير وكل القوى الحية التي ساندت الثورة الوقوف معه ضد صلف العسكر، وضد تجبرهم
وضد شركاتهم الاقتصادية، والله لوقف معه الشعب بالملايين، وسدوا عين الشمس، وأرغموا
العسكر على تلبية طلباته تماماً، كما حدث في مواكب ٣٠ يونيو عندما خرج الملايين من
جموع الشعب وأرغموا المجلس العسكري على الجلوس مع قوى الحرية والتغيير، والتوقيع
على الوثيقة الدستورية.. هذه هي القوة التي تجاهلها حمدوك، واستند إلى ممارسة
السياسة معهم، وهذه هي النتيجة التي وصلنا إليها اليوم
.
أنا أنتقد ضعف الحكومة وضعف ووهن معظم الوزراء. هذا
الضعف والوهن هو الذي وصلنا الى ما نعانى منه اليوم. مثلاً اين هو وزير الحكم
الاتحادي من الأحداث الدامية في كسلا، أليس هو مسؤول الولايات في الحكومة
الاتحادية.. هل سمع أحدكم بصوته في هذه الازمة؟ مثلاً: أين وزير الزراعة من المشكلات
العصيبة التي تواجه بداية الموسم الشتوي؟ اين هي وزيرة التعليم العالي من قضية
مرتبات أساتذة الجامعات الحكومية؟ هل منكم من سمع أنها اضافت شيئاً ملموساً في
وزراتها؟
أما وزيرة الرياضة فلنتركها في شأنها، ريثما تفرغ من
معاركها الجانبية داخل وزارتها، فهي مشغولة بما هو أهم الآن
.
اذن ما الحل في ظل هذا الوضع المرتبك؟ هل الحل هو
الخروج في مواكب ٢١ اكتوبر؟ وضد من أخرج؟ هل أخرج ضد حكومة الثورة التي تمثلني بكل
علاتها؟
شخصياً ضد الخروج في مواكب لا ندري من يقودها.. على
حمدوك أن يطلب الجلوس مع لجان المقاومة ولجان التغيير والقوى الحية التي ساندت
وماتزال تساند هذه الثورة المجيدة في لقاء مفتوح، وبقلب مفتوح، ويستمع إليهم،
وينفذ مطالبهم. فلتأتي كل هذه المجموعات التي ذكرتها في ساحة الحرية صبيحة ٢١
أكتوبر، وليأتي إليهم حمدوك، وليسمع منهم، ويسمعوا منه وجهاً لوجه، وليكون يوما للتغيير،
ويوماً للتعبير الحر، وتوصيل طلبات الثورة والثوار مباشرة إلى حمدوك، هذا ما أراه أجدى
وأنفع.
حفظ الله وطننا وثورتنا.