الحركات المسلحة والاختبار الصعب
محجوب الخليفة
- اتفاقية جوبا للسلام الدائم ربما تكون هي في حقيقتها اختبار صعب يواجه الحركات المسلحة في المقام اﻷول، ولطالما ظلت تسوق عبر نضالها الطويل أنها حملت السلاح ورفعت ألوية النضال لكي تسترد للشعب السوداني حقوقه، وتنتصر للبسطاء، وتعيد للسودان هيبته، وأن تمنع عن الناس كل أنواع الظلم، وتبسط العدل ااجتماعي، بل إن شعارات ثورة ديسمبر (حرية سلام وعدالة) هي نفسها الشعارات التي ظلت تنشدها عبر كفاحها المسلح، ولكن هل تدرك تلك الحركات المسلحة أنها تقترب بسرعة للجلوس علي مقاعد اامتحان الصعب وااختبار الحقيقي لمصداقيتها؟
- هناك اسئلة معلقة في أذهان الناس ومراقبة شعبية صارمة لتلك الحركات، التي ستدخل بكوادرها وعناصرها لتكون جزءاً من الحكومة الانتقالية بمجلسيها، فأما أن تظهر الحركات المسلحة صدق شعاراتها وتثبت للشعب أنها كانت تناضل من أجله، وهي اﻵن تشارك في الحكم ﻷجله أيضاً فيقوي الوطن، ويعم السلام، وتتحقق مطالب الشعب الضرورية، وتبدا نهضة السودان وتنميته، وأما أن تكون الحركات المسلحة تبطن عكس ما تظهر، وتفعل بعد الجلوس في مقاعد السلطة ما يزيد بؤس الوطن، ويؤذي الشعب، ويهزم تفاؤل الناس وحلمهم بدولة العدل والسلم والعلم والحرية والنماء.
- الحركات المسلحة هي جزء من النخب السودانية التي تدعي القدرة علي ابتكار وتنفيذ مشروعات قومية تنهض بالبلاد وقياداتها من النخب المثقفة والمتعلمة، التي إرتأت أنها تمتلك من المشروعات القومية ما ينقذ السودان، وينتصر لشعبه ضد الجهل والظلم والمرض، والنخب السودانية في تداولها للسلطة في كل الحالات أظهرت عجزاً واضحاً لتخليها عن الانحياز للوطن وابتعادها عن الطريق القويم والسقوط في الخلافات والصراعات السياسية، بل واستخدام القبلية والعنصرية والجهوية طمعاً في إحكام السيطرة علي السلطة والثروة، فإذا كانت الحركات هي نخب سودانية ثائرة ضد دولة الظلم والفساد فهي إذن أمام اختبار حقيقي، وقد اقتربت من المشاركة الفعلية في السلطة وإدارة شأن البلاد، فلن نقبل منها غير الالتزام بالمبادئ، وهي تحقيق دولة العدل والسلم والعلم والنماء، وأن تسقط في عهدها الجهوية والقبلية والعنصرية.
- الحركات المسلحة أمام تحد تأريخي، وهي أن تثبت للشعب السوداني أنها حركات وطنية همها الأول سلام السودان، وإسعاد شعبه، وأنها ليست حركات خائبة همها المحاصصات، وتصفية الحسابات، وتأجيج الصراعات، وإضعاف السودان وتهديد استقراره وإرهاق مواطنيه.