بعض (الموجوعين) مما يحدث الآن من إرساء لقيَّم العدالة وبناء دولة المؤسسات و(تهيئة) الواقع لتنمية مُستدامة و(حقيقية) ، من فلول النظام البائد والمُنتفعين من فسادهِ الذي هو الآن على وشك التلاشي ، وللأسف معهم بعض (المخمومين) من الذين لم يتسع أُفقهم السياسي والتحليلي للوقائع لأكثر من النظر إلى أداء الحكومة الإنتقالية عبر الضوائق والأزمات المعيشية التي لا ينكرها أحد ، يحاولون أن يؤسِّسوا لوصمةِ (عارِ) يُقذف بها كل من يُعلن دعمه لرئيس الوزراء وحكومته الحالية أو (المٌزمع) إعلانها ، وذلك عبر محاولة يائسة لـ ( تجييش ) الرأي العام كي يخرج في 21 أكتوبر رافعاً شعار إسقاط الحكومة وإبعاد حمدوك وطبعاً معهُ (شبح) العدالة الإنتقالية الذي بات يطاردهم في صحوهم ومناهم وما هم منهُ بإذن الله بناجين.
يفوتُ عليهم سعة (ماعون) الوعي الجماهيري الذي أدهش العالم آناء الثورة وبعدها ، وبعد ما شهدتهُ بأُم عيني من تضحيات مُهرت بأرواح الشهداء وأنات الجرحى وهُتاف الغلابة المحزونين ، لا أظنُ أن هذا الشعب سيتراجع عن توقهِ للإنعتاق أو نبذهِ للحكم الشمولي وقيادة العسكر لمنصة الحُكم مرةً أخرى بعد أن جرَّب ذلك فيما لا يقل عن 97 % من ما مضى من سنوات تلت إنجلاء الإستعمار ، ما زلوا يُصرِّون على (تقزيم) مطالب الشعب السوداني والحط من قيمة ثورته المجيدة وحصر أسبابها ومراميها في وفرة الخُبز والوقود وغاز الطعام ثم يا حبذا قليلٌ من الطرب ، والإستغراق في غيبوبة العيش في الوطن كالغُرباء والضيوف بلا رأي ولا مُشاركة ولا صوت.
لن يتخلى الشعب السوداني عن حقهِ في إختيار الديموقراطية منهجاُ لتحقيق العدالة والمساواة ومدخلاً لتدشين مشروع التنمية المُستدامة ، لأنهُ بات يُدرك أن ما تقدمهُ الأنظمة الشمولية من حلول ، لا تُصنع إلا عبر آلامه وقطعاً سخياً من لحمه الحيّْ ، فضلاً عن بيع الوطن ومُقدَّراته وموارده بلا ثمن لمافيا المنتفعين من إنعدام العدالة وغياب دولة القانون والمؤسسات ، ثم بيع الأجساد والأرواح بثمن بخسٍ في غياهب الحروب الإقليمية والدولية وشعبنا لا ناقة له فيها ولا جمل.
المؤسف أن التسويف الذي يحدث في تدعيم آليات (قداسة) الثورة وحمايتها ، كان وما زال سبباً مُباشراً يدفع الفلول وزبانيتهم للتطاوُّل على الشعب السوداني والعودة من جديد بصوتٍ أكثر جهراً من ما مضى ، وهذه البلاد قبل كل شيء هي للجميع ولا مجال لإستعلاء أحدٍ فيها على آخر مهما كانت المُبرِّرات بما فيها حِمية العِرق والدين والإنتماء الآيدلوجي ، لتبقى في النهاية قيمة الإنسان السوداني محوراً للإحترام عبر المواطنة والإتحاد لأجل السودان فقط بلا قيدٍ ولا شرط ، مهمة الحكومة الإنتقالية هي تذليل الصعاب التي تقف أو قد تحول دون (ديمومة) المسار الديموقراطي ونجاح الأحزاب عبر الإنتخابات في إدارة البلاد بعد أن تكون قد تزيَّنت برسوخ المؤسسية وتعالت بشموخ العدالة وإزدهت بإنبساط القانون الذي يحمي الحُرية ويساوي بين القوي والضعيف ، إلى أن يحدث ذلك لا مكان لفلول النظام البائد ومُرتادي موائدهم الآسنة والمنقادون بلا وعي لمؤامراتهم البائسة في نزع حق الجماهير في حماية ودعم وتقويم حكومتهم الإنتقالية.