كان يوم أمس يوما درامتيكيا في حياة السودان .. بدأت الارهاصات الاولية بالموافقة الخطية من ترامب لحذف السودان من القائمة السوداء مستخدما توقيعه المميز والذي يشبه لحد كبير الخريطة التي يصدرها جهاز كشف القلب . (حماكم الله من القلب واوجاعه)
ثم تلى ذلك اخبار متسارعة حول موافقة السودان على تطبيع العلاقات مع العدو السابق اسرائيل .. ووصلنا الى القمة في هذه الدراما العجيبة عندما اجتمع الاربعة حمدوك والبرهان ونتنياهو وترامب هاتفيا وتحدثوا عن التطبيع وخطواته المرتقبه وان واشنطون ستقوم بالحماية السيادية للسودان وسترسل الوفود و الشركات التجارية وخاصة الزراعية وكذلك اسرائيل ستبدأ خلال اسابيع قادمة بالدخول في علاقات تجارية واستثمارات كبيرة وبالذات في المجال الزراعي ( لاحظوا تركيزهم الشديد على المجال الزراعي ) ..
ثم انتهينا بمقابلة خجولة مع وزير الخارجية المكلف قمر الدين مع التلفزيون القومي أكد خلال المقابلة ان التطبيع بشكل رسمي لن يتم الا بعد قيام المجلس التشريعي الانتقالي وبموافقته الرسمية . هذا بإختصار شديد وصف لما جرى امس في الخرطوم وتل ابيب وواشنطون .
وما زلت اعتقد جازما ان حمدوك ادار هذه اللعبة بكثير من الذكاء واثبت انه قادر على ادارة الدبلوماسية الهادئة بعيدا من التشجنات والعنتريات الفارغة لذلك قلت في مرات سابقة ان حمدوك يمكن ان يكون ناجحا جدا في ادارة دولة مستقرة سياسيا واقتصاديا وأمنيا ولان السودان يفتقد هذا الاستقرار الان فإن فشل حمدوك في أدارة بعض الملفات يبدو واضحا للعيان ولا يتناطح فيه عنزتان .
الذين يقولون ان المكون العسكري هو الذي يقود عمليات التطبيع .. نقول لهم نعم هو الذي يقود التطبيع وذلك لأن حمدوك استشعر بتلهفهم على ذلك لاسباب قد لا تكون خافية على اي متابع حصيف فقام حمدوك بتمرير الكورة بطريقة احترافية للمكون العسكري ليجد البرهان نفسه فجأة منفردا بالكورة وامام المرمى الخالي ليسجل هدفا صحيحا وبصافرة من حكم اللقاء ترامب اعلن عن فوز السودان بهدف من قدم اللاعب البرهان وليس حمدوك صاحب التمريرة الذهبية .( وهذا ما كان يريده ويتمناه حمدوك بالضبط ) .
نعود ونسأل وبعد احداث امس من الذي دخل ( الفتيل) ومن الذي خرج منه ؟؟
اول الخارجين من الفتيل هو المكون العسكري وبقيادة البرهان نفسه . آن لهم الاطمئنان ان يد العدالة قد لا تطولهم في يوم من الايام في اي من الاحداث التي مرت قبل او بعد الثورة والذين ينتظرون تقرير نبيل اديب أقول لهم سيطول انتظاركم .
حتى ولو ظهر التقرير سيكون خاليا من اي تجريم لاي من الاسماء الكبيرة التي تتوقعونها من القوات المسلحة او الدعم السريع . ليس كذلك فقط فربما يطمعون في المزيد من السلطة والهيمنة على الدولة كيف لا وهم اصبحوا صناع السلام الان وسيجدون الدعم الدولي ومن دول لها وزنها وليس المحلي فقط .
الخارج الثاني من الفتيل هو حمدوك نفسه والذي كان محاصرا بالازمة الاقتصادية الخانقة حد الموت اضافة لمشاكل لا حصر لها في ادارة الفترة الانتقالية . وحمدوك ومن اول يوم لاستلامه للحكم كان واضحا انه يعول ويعتمد على الخارج اكثر من اعتماده على مقدرات شعبه وقناعته ان مقدرات شعبه لا يمكن ان تتفجر الا بالعون الخارجي .. الان اصبح الطريق ممهدا امامه لتحقيق طموحه
وبات في مقدوره إعادة حساباته وترتيب اوراقه وفقا لقناعاته التي لم تتزحزح باستدعاء العون الخارجي لبناء الدولة .
طيب من الذي دخل ( الفتيل ) ؟؟
اولهم هو الامام الصادق المهدي الذي سارع وعلى غير عادته وأعلن انه سينسحب من قوى الحرية والتغيير ( الموقف الاول كان تجميد ) وسيسحب تأييده للحكومة الانتقالية وسيحرك قضايا ضد الدولة في المحاكم اذا وافقت الحكومة على التطبيع . ولا ادري هل سينفذ الامام تهديده بالمحاكمة خاصة وان المكون العسكري هو الاكثر اصرارا على التطبيع .
على الامام مراجعة مواقفه حتى لا يجد نفسه خارج المشهد فالحكومة الانتقالية لم تعد في حاجة لتأييدك او عدم تأييدك لها . الان بدأت عمليات التطبيع وغدا ستأتي القوات الاممية .
الذين دخلوا الفتيل ايضا حزب البعث ومواقفه التاريخية المعروفه ضد اسرائيل . كثير من أعضاء حزبكم يحتلون مراكز مرموقه في الحكومة الانتقالية ولجانها المتعددة ويكاد حزب البعث يشكل اغلبية داخل المنظومة الحاكمة ( حتى لو قالوا خلاف ذلك ) .. ماذا أنتم فاعلون الان ؟؟
ايضا من الذين دخلوا الفتيل احزاب الاتحادي الديمقراطي بواجهاته المتعددة ومواقفهم من الكيان الصهيوني مغتصب ارض فلسطين !!!!! معروفه ومسجلة .
اما الحزب الشيوعي فهو اصلا مخنوق في عنق الفتيل لا هو خارج ولا هو داخل . مواقف الحزب واضحة من الحكومة الانتقالية . رغم ان الحزب أعلن موقفه برفض التطبيع منذ وقت مبكر . والحزب العتيق دائما متصلب في مواقفه . وأعتقد على الحزب مراجعة مواقفه تماما كما قلنا في حزب الامة
وللحديث بقية ان كان في العمر بقية
شالوووووم