قال الفريق البرهان في لقاء الأمس الاثنين بتلفزيون السودان انه أخطر الصادق المهدي والسنهوري بأمر التطبيع فأخطراه بانه لا مانع لديهما اذا أجيز من المجلس التشريعي. هذا الحديث دل على أن البرهان ايضا لا مانع لديه من ( عدم ) التطبيع اذا لم يجاز التطبيع من المجلس التشريعي، اليس كذلك؟ هذا هو المطب الذي وقع فيه رئيس مجلس السيادة، والذي ربط اتخاذ القرار النهائي حول التطبيع بالمجلس التشريعي، وهو المجلس الذي ستمثل فيه قوى الحرية والتغيير ب ٥٥%، وبالتالي فإن السيدان الصادق والسنهوري قد أدخلا البرهان جحر الثعابين برجليه.
لمرور خطوة التطبيع عبر المجلس التشريعي فهي ستحتاج على الاقل لثلثي الاعضاء، هذا من واقع أن تكون لوائح المجلس التشريعي صارمة حول نصاب البت في اتخاذ القرارات حول القضايا الكبرى، لذلك يمكن القول أن قحت قد جرت البرهان نحو معركة جديدة داخل قبة البرلمان، وهي القبة التي لا وجود مباشر للعسكر فيها، وبالتالي لا يبدو فوز البرهان بها متوقعا. فهل سيلتزم البرهان بكلمته ام يذهب إلى تكتيك آخر ليخرجه من هذا المطب؟
يملك البرهان وحمدوك نصوصا في الوثيقة الدستورية تخول لهم البت في أمور السياسة الخارجية عبر جلسة مشتركة بين مجلسي السيادة والوزراء لحين تشكيل المجلس التشريعي، وهو ما أشار إليه وزير العدل في منشور له حول خطوة التطبيع، فهل سيدير البرهان ظهره لقحت ويقوم بهذه الخطوة؟ مع العلم بأنها خطوة قد تفقد الحكومة الانتقالية حاضنتها السياسية، فاحزاب الأمة والبعث والشيوعي أعلنت عن مواقف حادة من الحكومة اذا استمرت في فرض التطبيع دون اجازته من برلمان معين او منتخب.
في كل هذه ( الجوطة ) قد لا يلاحظ الكثيرون ان هناك حزبا سياسيا بدا يسيطر على قحت الآن واظهرت مواقفه تماهيا شبه كامل مع قرارات الحكومة وهو حزب المؤتمر السوداني، فهذا الحزب دعم حمدوك في تطبيق العلمانية ثم دعمه في رفع الدعم ثم هاهو يدعمه في التطبيع. حتى ليظن المتابع ان الحاضنة السياسية الحقيقة للحكومة أصبحت هي حزب المؤتمر السوداني وليس قحت، وربما اذا تصاعدت الأمور وذهب البرهان إلى اجازة نهائية للتطبيع عبر جلسة مجلسي السيادة والوزراء وانسحبت أحزاب الأمة والبعث والشيوعي من دعم الحكومة أن يجد حزب المؤتمر السوداني نفسه وحيدا في صف الحكومة وقد يتحول فعليا إلى حزب حاكم.
السيناريوهات التي افرزتها خطوة التطبيع معقدة ومجهولة المصير، ولكن لابد من حدوث سيناريو من اثنين، الاول سيناريو تعيين المجلس التشريعي وعرض التطبيع عليه، والاحتمال الراجح ان يرفضه، ووقتها كيف سيتصرف البرهان وحمدوك مع الخطوات الكبيرة التي انجزوها في مجال التطبيع؟!. السيناريو الثاني هو عدم انتظار المجلس التشريعي وعرض التطبيع على جلسة مشتركة لمجلسي السيادة والوزراء، والاحتمال الاكيد هنا ان يتم قبول التطبيع، ولكن الحكومة ستفقد دعم اقوى الأحزاب المناصرة لها وستتعرض لمعارضة سياسية شرسة. هل هناك سيناريو سهل؟ لا، كلها سيناريوهات صعبة، ولكن يظل خيار المجلس التشريعي هو الأفضل لكونه يؤسس لممارسة سياسية راشدة يتم فيها فك الاشتباك والاختلاف عبر ممثلي الشعب وبرلمانه، وهو بالضبط ما تعنيه دولة المؤسسات. لذلك الخيار الأفضل هو تعيين المجلس التشريعي وعرض الخطة عليه و ( الحشاش يملأ شبكته ).
sondy25@gmail.com