إنّ التحول الانتقالي هو سمة التغيير في الحياة وهذا التحول قد توجد معه فرص كبيرة للانتقال نحو مستقبل مشرق وافضل وتكون كل مساراته سالكة ؛ وكذلك يمكن أنْ تلعب فيه التحديات والعقبات عائقاً كبيراً تعيق مسار التحول الانتقالي ايّ كان نوعه .
إنّ التحول الانتقالي الذي حدث في السودان بعد إنتصار الثورة السودانية الشعبية الباذخة يعتبر نقطة تحول جوهرية وعلامة (فارقة) في الدولة السودانية في كل مستوياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية وحتى في بُعدها (الإستراتيجي) هذا التحول الإنتقالي يُشكل فرصة ذهبية مهمة لتحقيق ما لم يكن متوقعاً أبداً على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه مسيرة هذا التحول الإنتقالي الذي حدث في السودان .
هناك قضايا مصيرية في السودان لم يتم حسمها بعد فيما يتعلق بتشكيل حكومة الفترة الإنتقالية عقب التوقيع على السلام بجوبا عاصمة دولة جنوب السودان بين حكومة الثورة بشقيها العسكري والمدني مع حركات الكفاح المسلح والتي اصبحت الان شريكاً أساسياً في كل مستويات الحكم بالدولة السودانية .
في ظل هذه الظروف والتداعيات السياسية والاقتصادية والامنية التي حدثت في السودان تبنت حكومة الثورة برنامج شامل لتغيير الكثير من مُخلفات النظام البائد المعزول وبدأت بتغيير المناهج الدراسية وبالعودة مجدداً لنظام السُلم التعليمي الذي كان سائداً في السودان قُبيل مجيىء البشير المخلوع بنظامه الانقلابي فقام بتغيير الكثير من المناهج الدراسية في كل المستويات ودمج مرحلتي الابتدائي والمتوسطة وقلص منها عامٌ دراسيُ كاملاً .
بعد إندلاع الثورة الشعبية تم تعيين الكثير من سودانين المهجر في الوزارات والمؤسسات ومن ضمن ما وقع عليهم الاختيار دكتور عمر القراي كمديراً عاماً للمناهج الدراسية ببخت الرضاء في مدينة (الدويم) ومنذ اول يوم لتعيينه بدات هناك اصوات ونداءات بان هذا الرجل غير مناسب بأن يكون هو مديراً للمناهج وبدأ في إدارة المناهج كمديراً لها حتى صدور القرار من رئيس الوزراء دكتور عبدالله حمدوك تجميد العمل بالمقترحات المقدمة لتعديل المناهج الدراسية الامر الذي أثار على إثره غُباراً كثيفاً وترك جدلاً وآسعاً في الاواسط السياسية والمجتمعية السودانية وآباء وأُمهات التلاميذ ولا يزال الجدل محتدماً والذي زاد المشهد تعقيداً فقد تقدم الدكتور عمر القراي باستقالته كمدير عام للمناهج السودانية مما زاد الامر غموضاً .
فقد اثار القرار الصادر من رئيس الوزراء عبدالله حمدوك تجميد العمل بالمقترحات المطروحة من إدارة المناهج في المركز القومي للمناهج والبحث التربوي لاعداد مناهج تربوية جديدة في السودان جدلاً وآسع النطاق شمل حتى رجال الدين والطرق الصوفية .
فحيال ذلك أصبح الشعب السوداني منقسماً على نفسه في هذه القضية وترك غُباراً كثيفاً غطى سماء السودان وحجب معه الرؤية الثاقبة تماماً للخروج من نفق جدلية المناهج السودانية الجديدة والتي أثارت قضية كبيرة شغلت الراي العام خاصة كتاب التأريخ للصف السادس والذي جاءت فيه بعض الرسومات الخادشة للحياء والذوق العام .
فقد صرح رئيس الوزراء عبدالله حمدوك بقوله :-
(إنّ قضية إعداد المناهج تحتاج الى توافق إجتماعي وآسع داعياً إلي انْ تستند المناهج الجديدة إلي أُسس علمية تشحذ التفكير وتُنمي قدرات النشء وتحفز القدرات الإبداعية على التفكير والإبتكار واعلن حمدوك عن تكوين لجنة قومية تضم التربويين والعلماء والمتخصصين وتمثل كآفة أطياف الآراء والتوجهات الفكرية في المجتمع السوداني لتعمل على إعداد المناهج الجديدة في السودان) .
في المقابل وعلى إثر قرار رئيس الوزراء حمدوك فقد قدم الدكتور عمر القراي مدير إدارة المناهج التربوية بإستقالته إحتجاجاً على تجميد العمل بالمقررات الدراسية الجديدة متهماً الحكومة الإنتقالية (بالاذعان) لاصوات انصار الرئيس المعزول عمر البشير على حدِّ زعمه ؛ وعلى إثر ذلك طلب وزير التربية والتعليم من حمدوك رئيس الوزراء إيضاحات بشأن تجميد تغيير المناهج الامر الذي ترك ردود افعال وآسعة وإزمة كبيرة بين مؤسسات الحكومة المختلفة بل إنعكس ذلك الامر في الشارع العام واصبح حديث الشارع في المركبات العامة والاسواق وصوالين السودانيين واروقة مؤسسات الدولة .
فلم يقتصر الامر هنا فقط بل تجاوزه إلي علماء دين وفقهاء فقد وجهوا إنتقادات لاذعة للمناهج الجديدة بعد إدراج رسم عن خلق ابونا (آدم) عليه السلام للفنان العالمي الايطالي مايكل أنجلو في كتاب مادة التأريخ للصف السادس الابتدائي بإعتبار هذه الرسومات هي رمزاً لنهضة الفنون في اوربا في القرون الماضية .
أما مجمع الفقه الاسلامي وهو مؤسسة رسمية تتبع لرئيس الوزراء وهو جهاز حكومي فقد اقرّ (بحرمة) هذا العمل الفني بإعتباره يُسيء (للذات الإلهية) .
سيظل الجدال السياسي والتربوي والمناهيجي م