بعد أكثر من ٢٠٠ سنة من استقرارها تتعرض ديمقراطية امريكا لاختبار صعب بواسطة ترامب، حيث مثلت فترة رئاسته خروجا عن المألوف وأهتزت خلالها صورة أمريكا القوية المتحدة داعمة الديمقراطية وحارسة الحريات، وتحولت إلى نموذج انتهازي يضغط على دول العالم من أجل مصالحه الذاتية الضيقة، وهي صورة صدمت العالم لسنوات، خاصة وأنها ترافقت مع تراجع مخيف لحقوق المهاجرين داخل أميركا، مما جعل سيدة العالم القوية المحترمة مجرد سيدة متسلطة مزعجة ومكروهه.
ترامب وعدم اعترافه بنتائج الانتخابات رغم عمق التحول الديمقراطي واستقرار التبادل السلمي للسلطة لفترة تفوق ال ٢٠٠ سنة في امريكا، يؤشر إلى أن الديمقراطية لا يمكنها أن تقضي على جميع العيوب في المجتمع وان تطاول زمان تطبيقها، وان استمرار النظام الديمقراطي لا يعني انقراض المشككين فيه ولا يعني عدم تمكنهم من الوصول الى زعامته، وهي استنتاجات تهدد الديمقراطية وبنيانها وجدر الحماية التي تعصمها من طوفانات الفوضويين والشموليين، مما يبرز الحوجة لمراجعة اسس وبنيان الديمقراطية الأمريكية نفسها.
بعد ان صدمت العالم مشاهد اقتحام الكونغرس، فإن على المفكرين السياسيين الأمريكيين أن ينصرفوا عن فكرة بناء الديمقراطية في العالم الثالث قليلا ويتجهوا للتفكير في الأزمة التي عانتها ديمقراطية أميركا والهزة والتشويه اللذان تعرضت لهما نتيجة وصول ترامب لسدة الرئاسة، ثمة حوجة لاستقراء الظروف والوقائع والأسباب التي قادت إلى وصول هذا الرجل للبيت الأبيض، ثم كيفية مواجهته لكل التقاليد الراسخة في أميركا من حماية الديمقراطية العالمية ورعاية الحقوق والحريات في العالم وداخل أميركا وعلى راس ذلك حقوق المهاجرين واللاجئين.
إن كانت أمريكا تورخ في الفترة الماضية لأحداث ١١ سبتمبر باعتباره الحدث الأضخم الذي هز امريكا، فإنها يجب أن تؤرخ الآن منذ اقتحام الكونغرس، فإن كانت ١١ سبتمبر ثغرة أمنية وهجوم نفذه غرباء على مباني امريكية، فإن اقتحام الكونغرس ثغرة أمنية وهجوم نفذه امريكان وبتحريض من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية على واحد من أهم المباني الحكومية الأمريكية، والحدث الثاني أضخم رغم عدد القتلى المنخفض مقارنة بالأول ولكن ضحاياه أعظم وعلى رأسهم صورة الديمقراطية الأمريكية البراقة.
تحاول امريكا التصدي لما حدث ومواجهته بقوة من أجل ضمان عدم تكراره، ولو أدى ذلك لعزل ترامب، ولكنها بالمقابل قد تدفع الثمن من احتمالية بروز تيارات أمريكية مسلحة متطرفة تحدث الفوضى والقتل، مما يجعل المشهد برمته قابل لكل الاحتمالات المخيفة والسعيدة. وهو مشهد يجعلنا في السودان في محاولتنا الراهنة المتعثرة لتثبيت أركان نظام ديمقراطي نتسال هل بالامكان ان ننجح في ما قد تفشل فيه امريكا؟!
sondy25@gmail.com