أسدل الستار مساء الاحد على فصول حكومة الثورة الأولى بعد أن أعلن رئيس مجلس الوزراء إعفاء جميع الوزراء ووكلاء الوزارات من أجل التمهيد لتعيين حكومة الثورة الثانية حكومة السلام. سنة ونصف تقريبا هو عمر هذه الحكومة التي جاءت في ظروف صعبة جدا، وفي واقع بالغ التعقيد بعد حكم شمولي استمر ل ٣٠ سنة، أرسى كثيرا من الممارسات السالبة داخل الوزارات وعلى مستوى صفة الوزير ومكانته.
بعيدا عن نجاح الوزراء من عدمه في الأمور التنفيذية، الا انهم كانوا نماذج مشرفة على مستوى الانضباط الأخلاقي والروح الوطنية وعدم إساءة استخدام الموقع، وهذا يحسب لهم ولثورة ديسمبر، فإرساء معاني وقيم ان يكون الوزير موظفا عاما وخادما للشعب وليس سيدا له هو نجاح قيمي عميق لثورة ديسمبر.
الوزراء السابقون واجهوا صعوبات جمة فقد جاءوا في ظل مشهد سياسي معقد فرضته وثيقة الشراكة التي رفضها البعض، وفي ظل جو مشحون بعدم الثقة بين العسكريين والمدنيين بعد أحداث فض الاعتصام وإحداث ٣٠ يونيو وغيرها من المليونيات، ولكنهم خاضوا هذا الجو باقتدار ويحسب لهم انضباطهم كوزراء وتقيدهم بعدم إطلاق التصريحات الهوجاء او التصريحات السياسية التي لا تمثل مجلس الوزراء ولا الحكومة التفيذية، وهي صورة محترمة لحكومة تنفيذية ( ناسها حافظين لوحهم).
الوزراء عانوا من جائحة كرونا التي أقعدت الكثيرين منهم عن أداء دورهم مثل وزراء التعليم العام والتعليم العالي الذين تقلدوا المنصب وسيغادرونها ولم يشهد عهدهم انتظام التدريس في المراحل العامة او الجامعات، وهي عقبة ربما قيدت أداء هؤلاء الوزراء وقللت من إبراز قدراتهم، بالمقابل فإن هذه الجائحة والتعقيدات الأمنية وضعت عبئا إضافيا على وزارات الصحة والداخلية والتجارة والمالية لجهة انها وزارات يجب أن تحافظ على سلامة المواطنين وان توفر لهم الأمن والخدمات، وهي مهام لم يكن النجاح الكافي حليف هذه الوزارات في الجوانب التنفيذية ولكنهم اجتهدوا في ظل إمكانيات شحيحة واقتصاد متردي.
الوزراء السابقون كان من بينهم شباب في مقتبل العمر كالوزير مفرح والوزيرة ولاء وهي رسالة جيدة وإبراز لدور الشباب خاصة في ظل النجاح الباهر للوزير مفرح في عكس رسالة التسامح الديني في السودان، الرسالة التي طمسها نظام الإنقاذ وشوهها، فقد نجح الوزير في عكس صورة حضارية عن المجتمع السوداني وتدينه وعلاقاته الدينية المتسامحة بين اديانه وطوائفه وهي صورة حقيقية موجودة ومعايشة على الشارع وفي المؤسسات، هذا الوزير الشاب إستطاع ان يخرس دعاة العلمانية بالرسالة الوسطية السهلة والسمحة التي قدمها وأشعرت الجميع بأن الوطن للكل لا فرق بين مسلم وغير مسلم وان المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات وليس الدين او العرق أو اللون، كما فضح الوزير مفرح جماعات الهوس الديني بوسطيته وأظهرهم مجرد غلاة غلاظ دخيلين على مجتمع السودان وتدينه، وربما هذا النجاح الباهر لهذا الوزير سيعيده مجددا لهذه الوزارة ليواصل رحلته الناجحة تلك.
سيذهب الوزراء ولكنهم سيكونون تاريخيا قد سجلوا أسمائهم في صفحات التاريخ السياسي السوداني كوزراء لاول حكومة انتقالية بعد ثورة ديسمبر، سيذهبون وهم مرفوعي الرأس كما دخلوا فهم لم ينتزعوا سلطة بالقوة ولا إستخدموها في إذلال الآخرين وقهرهم، بل اجتهدوا وحاولوا فإن نجحوا كان لهم أجران وان فشلوا كان لهم أجر المحاولة، وماعلينا ان نقول لهم سوى شكرا جزيلا ووفقكم الله في مواقعكم الجديدة، ليمضي قطار الفترة الانتقالية إلى محطة جديدة بوزراء جدد نسأل الله لهم السداد والتوفيق .
sondy25@gmail.com