ما زلنا في انتظار حديث من النائب العام حول قضية تعذيب دكتور فاروق محمد إبراهيم بواسطة قياديَين اثنين في نظام الإنقاذ موجودين بسجن كوبر (كما يقال)..! وهي قضية تعذيب بحق مواطن سوداني مُثبتة بالوثائق والشهود، ارتكبها باليد كل من نافع علي نافع وبكري حسن صالح، وقاما فيها بتعذيب مواطن بدون أي جريرة وخارج نطاق القانون (وهل يبيح أي قانون تعذيب السجين؟) وفي أمكنة مجهولة لا تتبع لضبطية الدولة ولا لسجونها ونياباتها، وترتّب على التعذيب أضرار فادحة بالضحية كما ترتّبت عليه إضرار أفدح بسمعة الوطن ونواميس العدالة، وسجلت هذه الواقعة سابقة كريهة وضيعة وممارسة مشينة منتنة ستبقى وصمة في وجه المجتمع السوداني لا سبيل للتعافي من آثارها إلا بإحقاق العدالة وتقديم الجناة للقضاء والمحاكمة العلنية لقطع دابرها، فهي قضية تعذيب لبريء لم يقم بأي فعل جنائي، ولكن المتهمين حكما على انتمائه الفكري وما يحوك في ضميره، وفي إجراء هذه المحاكمة بعض الشفاء لكل الأسر السودانية التي قتلت الإنقاذ أفرادها وعذّبتهم، ولأرواح الصبايا الذين أغرقتهم أحياءً، والطلاب الذين رمت بجثثهم في أماكن القمامة والشوارع الخلفية والشهداء الذين دفنتهم في القبور المجهولة..!!
ليقل لنا النائب العام ماذا يمنعه من تقديم بلاغ التعذيب الذي بين يديه..! هل يرفض الديوان استلام بلاغات المتضررين؟ هل البلاغ لا يتفق مع عمل الديوان؟ هل حيثياته غير مكتملة؟ هل يحتاج فحص البيانات وجمع الإفادات إلى أكثر من عامين؟ وبعد أن أخذ النائب العام أقوال فاروق هل اتجه لأخذ أقوال المتهمين؟ وهل حقاً تم تحويل البلاغ إلى لجنة؟ وما الذي يمنع النائب العام من استحضار شخصين من السجن لأخذ أقوالهما لمضاهاتها بأقوال الضحية وتقديم البلاغ للمحكمة حتى يبرئ (بكري ونافع) نفسيهما من هذه التهمة الشنيعة؟ ثم ألا يستحق الأمر أن يسارع هذان الشخصان بالحضور للمحكمة فوراً لتبرئة سمعتهما أمام أسرتيهما وأمام الناس أجمعين..!!
مثل هذا القضية لا يمكن قتلها بالصمت و(الصهينة)، والنائب العام أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما أن يكون بلاغ الدكتور فاروق كاذباً وغير ملائماً فيعلن عن شطبه، أو أن يتقدم به للمحكمة؛ والنائب العام أمام موقفين لا ثالث لهما: إما أن يتحدث ويقول إنه يتعرّض لضغوط ويطالب بإطلاق يديه علناً، أو يقدم استقالته ويتنحى بذريعة أنه لا يستطيع ممارسة عمله، فمن غير الممكن أن يقبل النائب العام بأن يكون واجهة للتستر على جهة أو شخص أو مؤسسة تمنعه من ممارسة وظيفته وتتدخل في منع التقاضي. فهل من جهة تريد أن تمنع المواطن من الحق في التقاضي..؟! أم أن هذين الشخصين المتهمين أكبر من القانون بحيث يُخشى عليهما من إشانة السمعة..!! وأي سمعة لرجلين كانا يحتلان أعلى مناصب الدولة ثم يقومان سراً بالاستفراد بتعذيب رجل أعزل خلف الجدران..؟! ليخبرنا النائب العام عن سبب النكوص عن محاكمة شخصين عذبا ثالثاً في خلوة لا يملك فيها دفاعاً عن نفسه وفي مكان لا يتبع للدولة وبغير سلطة تبيح لهما حتى مساءلته دعك من تعذيبه..!! لا خلاص للنائب العام غير الرد العاجل. قبل تساؤل الشارع عن الحكمة في اعتقال عضو لجنة دستورية لإزالة التمكين، وإطلاق سراح زوجة المخلوع المُتهمة بالسرقة ووزير داخلية سابق متهم بقتل الناس مع نظامه وأشخاص آخرين من صنف كرتي وحاج ماجد.. وما لا نعلم من لصوص وقتلة هاربين ومقيمين..!