من الذي لم يكن يعرفه، صاحب الاسم الذي يتردد في كل الارجاء، لا اقصد في السودان بل في العالم الإسلامي و الغربي ؟ الذي لايعرفه هو الذي لا يتابع احداث الحياة و ليست السياسة فقط، بل الفكر و التربية الانيقة التي يجعل الانسان انسانا محبوبا لدى المحيط، قبل التعرف على سماحة الامام، كنت اقيمه سياسيا، من خلال الاحداث المتعلقة بالسودان لوحدها، لان الوجه الاخر الأقرب الى القلب كان و مازال غائب عن غير القريبين، و الجانب الفكري العلمي كان اكثر غيابا، و هذه هي طبيعة السياسة التي تغطي على كل شيء جميل، و بالتالي كان التقييم له تقييما بعيدا عن الروح و سموها و تجلياتها ، تقييم و نظرة خشبية خالية من العاطفة الروحية الابوية، و هذه حال السياسة..
إكتساب التعرف على المعدن الجميل للامام الصادق المهدي، كان بفضل المنتدى العالمي للوسطية في مؤتمر عمان سنة ٢٠١٦ ، ثم توالت اللقاءات و الجلسات في اكثر من مكان و اكثر من دولة و اكثرمن مناسبة، و ماعدا المحبة المباشرة التي وقعت في قلبي تجاه – رحمه الله تعالى- بشخصيته ألآسرة، جمعتنا الهموم، هموم الامة الإسلامية و احداثها، كان يحمل هم السودان على اكتافه، و تَحَمَّل معي هم أمتي الكوردية..
المحبة و المودة التي تكونت لدي لشخصه الكبير، كان كبيرا بحجم قامته و قيمته، لكن حسن الاستماع و جميله بكل تواضع لما كنت احمله و أسرده له من قلق تجاه العراق في عمومه و منطقتي الكوردية في خصوصها، شعرت يان هذا الرجل ليس كالسياسيين الاخرين، صادق، قريب الى قلب المرء، يتمتع بحس الانسان المسؤول امام ربه، و ليس من يريد اللعب على الوتر…
في مؤتمر المنتدى سنة ٢٠١٧، عندما القيت كلمة عن الأسس الفكرية للوسطية و الاعتدال، كنت قد التقيت به يوما قبله، اسمعني نصوصا سياسية من تجربته لم اقدر على تجاوزها في ورقتي البحثية، فهو الرجل الذي يحمل التجارب في السياسة و ليست تجربة واحدة فقط، يحمل كل حياته و ليست محطة واحدة منها فحسب..و كان مما قال ( أن التنمية من دون الدمقراطية لا شيء) و رسم بيده حرف إكس -x – على الطاولة، هذا النص السياسي أثبتته العديد من التجارب داخل و خارج العالم الإسلامي، أمامنا مثلا تونس التي كان النظام قبل الثورة يصور ان العمل على التنمية الاجتماعية و الاقتصادية جارٍ، لكن مع الاستبداد و الانغلاق السياسي و النتيجة كانت ثورة شعبية، و في الجانب الاخر نرى ماليزيا الدولة التي بنت التنمية الاقتصادية على القيمة الدمقراطية، قيمة الحرية الشاملة و المقدرة للإنسان، فكان النجاح و الوحدة بين الدولة و الشعب الماليزي، و كما الحال في سنغافورة، اما الدول الناجحة اقتصاديا من دون التقدير لإنسانية الانسان، فهي أقرب الى الحياة البهيمية التي لا ترى غير الاكل و الشرب و الغرائز )..
ربما من يقرأ هذه الكلمات يجد في نفسه اني ابالغ، لكن لاكون صريحا اني لم اكن احبه الى ان التقيت به، و أحببته في اول دقائق لقائي به، الفضل لم يكن لي في ذلك بل له الفضل بعد الله – سبحانه- وعائد للمنتدى العالمي للوسطية التي ترأسها بمعية المهندس مروان الفاعوري الامين..
في العراق رأينا و تجرعنا ألماً شديدا نتيجة الاحداث التي وقعت في تجمع أقليمي كردود فعل على قيام إقليم كوردستان بالاستفتاء الشعبي بخصوص مستقبل العلاقة مع الدولة العراقية التي انزلقت و مازلت منزلقة، التقينا في الدارالبيضاء بالمغرب في مؤتمر المنتدى الدولي، اسمتع الي بكامل احساسه، دون انقطاع، و لا إشعاري بأنه مطلع على ما يجري لانه رجل الدولة و السياسة، أبدى كامل التعاون و التعاطف و انه مستعد لكل دعم و تقديم كل مساعدة..في بهو الفندق شعرت باني اهمس لوالدي عن آلامي ليحمل قسطا منها معي وليس الى رجل من غير قوم او لغة، إنه الإسلام و انه الإنسانية .. حسه الإنساني العالي جمع به هم كل مظلوم، من هذا المنطلق كانت فلسطين حاضرة في كل كلماته و كان يرى بان دولا عربية تتجه نحو المجهول لاتجاليتها في السياسة و ابتعادها عن التمحور حول القضية الفلسطينية، بمعنى انه لم يكن اهتماما سياسيا خاليا عن البعد الإنساني و حتى لم يكن عقائديا صرفا مع تركيزه الدائم على الالتزام بالكتاب و السنة..
تحية له، تحية لروحه الحية، تحية لروحة الشابة التي آلمنا فراقها، تحية لكل إخوانه و اخواته في السودان و الحركة خصوصا..تحية لبنته وريثته مريم الصادق….
ألله نسأل أن ينعم عليه بالتربع في الفردوس الأعلى، و ان يجعل من أفراد أسرته قرة عينه، و إنا لله و انا اليه راجعون ….
كاتب و باحث
كوردستان