مطلع عهد الإنقاذ وهي تنزل بعصاها الغليظة على كل شيء.. كنا عصبة نتخذ من دار نقابة الصحفيين على شارع المك نمر مقرا .. قبل مصادرتها وتحويلها الى (كنتين) لتوزيع الزيوت والسكر .. كان كتاب رأي الإنقاذ في صحفها ينعتوننا بالواقفين على الرصيف .. معيبين علينا ذلك بالطبع .. ولكن رصيفنا كان ممتعا .. كنا نراه خيرا مما يدعوننا اليه .. يعج باخبار الإعتقالات والإحالات .. تزدهر فيه كذلك الطرائف والمفارقات .. من أمتع ما تداولناه في الرصيف .. إجابة صديقنا ( شتلي ) حين سأله أحدهم عن المخرج .. كانت إجابته الضاجة بالسخرية .. ( والله مافي حل إلا الراديو يسكت تلاتة يوم وما نسمع فى الخرطوم غير صوت الرصاص .. وفي اليوم الرابع يجينا ود مقنعة يقول .. شهدت الخرطوم أحداث عنف مؤسفة قتل من جرائها اعضاء الجبهة الإسلامية ) .. واعتبرنا الأمر طرفة إنتهت بوقتها ولكن .. !
توالت قرارات لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو وإزالة التمكين ومحاربة الفساد .. وقبل أن أمضي فى هذا المنحي .. سأعود بكم مرة أخرى الى واقعة حديثة جدا .. فقبل نحو عام أو يزيد .. إلتقيت أحد المقربين من هذه اللجنة الموقرة .. ولما كانت المناسبة إجتماعية .. فقد إنتحينا جانبا نتجاذب الحديث فى أمر اللجنة وجهودها فى تفكيك النظام القديم .. كان يتحدث بحماس عن الجهود المبذولة لتفكيك النظام و إزالة التمكين ومكافحة الفساد .. سألته بغتة .. هل إطلعتم على ملفات الخصخصة ..؟؟ سألنى بدوره سؤالا لم أتوقعه .. وأين توجد هذه الملفات .. ؟؟ أجبته .. فى اللجنة الفنية للتصرف فى مرافق القطاع العام .. نظر الي نظرة المستزيد .. فقلت له .. اليست مهمة لجنتكم هذه تفكيك نظام الثلاثين من يونيو ؟؟ قال نعم .. قلت له وتلك اللجنة كانت مهمتها تفكيك بنيات الإقتصاد السوداني .. وتحويلها من العام للخاص ..! ولاحقا قلت لمسئول حكومي فى حكومة حمدوك الأولى .. الشعب السوداني يبحث عن لافتاته القديمة .. اين وكيف ولمصلحة من إختفت ..؟ ابحثوا عن الخطوط السودانية .. ابحثوا عن السكة الحديد .. ابحثوا عن مشروع الجزيرة .. ابحثوا عن الخطوط البحرية .. ابحثوا عن النقل الميكانيكى والنقل النهري .. ابحثوا عن كل اللافتات الإقتصادية الضخمة .. التى إختفت .. لتقدموا للشعب معلومات وافية ..عن أسئلة ظل ينتظر إجاباتها طويلا ..!
ولئن كان قرار لجنة التفكيك الأخير بملاحقة قيادات المؤتمر الوطنى المحلول جملة واحدة .. قد ذكرنى بطرفة ( شتلي ) الذي رأى أن الحل فى ذلك الوقت المبكر كان فى مقتل اعضاء الجبهة الإسلامية بربطة المعلم ..
فإن عدم إنتهاج لجنة تفكيك النظام البائد نهجا إستراتيجيا يصوب نحو القضايا الكبرى .. ينبهنا الى أن هذه اللجنة .. ورغم جهودها المقدرة .. لم تنجز حتى الآن عشر المهام الجسيمة الموكلة اليها .. لإجتثاث آثار نظام الإنقاذ .. عليه والحال كذلك .. فإن المنطق يقتضي أن تتفرغ اللجنة لما يليها من مهام .. تنحصر في تلك المخالفات التى إرتكبها النظام البائد و رموزه .. قبل الحادى عشر من ابريل 2019 .. أما الوقائع التالية .. وحتى الوقائع التخريبية الماثلة اليوم .. فينبغي ان تقوم جهات الإختصاص بدورها كاملا في التصدي لها.. وإلا فلتذهب غير مأسوف عليها ..!