ظهرت معظم الأحزاب السياسية السودانية الكبيرة الراهنة إبان حقبة الاستعمار وتبلورت افكارها خلال حمى نشاط اعضاء مؤتمر الخريجين، مرحلة ظهور الأحزاب في السودان في الأربعينيات من القرن الماضي تميزت على مستوى العالم بأفكار التحرر والاستقلال التي تصاعدت في أعقاب الحرب العالمية الثانية ووجدت دافعها الأعظم في تكوين عصبة الامم وبروز حركات المقاومة حول العالم بما فيها حركة الحقوق المدنية في أمريكا.
لذلك تشبعت أفكار الأحزاب السياسية السودانية الوليدة في تلك المرحلة بالاستقلال والحرية، وأصبحت في بنيانها الأفقي والرأسي تدور حول مفهوم واحد هو الاستقلال من الاستعمار البريطاني، نجحت الأحزاب السياسية في تحقيق هدفها الرئيسي وهو الاستقلال في الأول من يناير١٩٥٦، ولكن ماذا بعد الاستقلال؟ كان المهم ان يتحول هدف الأحزاب السياسية من تحقيق الاستقلال الى تحقيق رفاهية ونماء الوطن ومأسسة ودمقرطة هياكلها ووسائلها، ولكن فهل فعلت الاحزاب ذلك؟
الجهود التي بذلت داخل الاحزاب السياسية نحو الهدف الجديد كانت ضعيفة وخجولة، ولم ترتق الى مستوى تحقيق نجاح مشابه لما حققته الاحزاب السياسية في هدف الاستقلال، لا يمكن تجاهل عدد كبير من الأسباب الذاتية والخارجية التي قادت إلى هذا الفشل، ولكنه في نهاية الأمر فشل يحسب على نخب وقادة تلك الأحزاب، خاصة وأن الفشل ظل يتكرر باستمرار منذ الاستقلال وحتى اليوم، وهو ما يجب أن تعمل الأحزاب السياسية معا على تجاوزه وتفادي أسبابه عبر زيادة مجال عملها المشترك وتعميق مستوى تنسيقها وتقليل فرص الخلاف والاقصاء لاقصى الحدود، اذا ارادت الاحزاب تطوير البلاد فالتطوير يتم عبر الشراكات الوطنية وليس عبر الإقصاء، عبر المؤهلات لا التعيين ولا المحسوبية، عبر اكتشاف القدرات وإفساح المجال لها وتنميتها وليس تهميشها، عبر العمل على تجذير الوحدة الوطنية والأخوة في الوطن لا التفرقة والتمييز.
بتحقيق الاستقلال في الخمسينيات فقدت الأحزاب السياسية فكرتها المركزية الموحدة، ومنذ ذلك التاريخ لم تتفق الأحزاب في فكرة مركزية الا فكرة إسقاط الأنظمة الشمولية، ولكن بمجرد إسقاطها للأنظمة الشمولية عبر الثورة تفقد الأحزاب فكرتها المركزية المشتركة مجددا وتغرق في الصراع والشقاق، وتعجز في رحاب الفترات الانتقالية والديمقراطية عن تطوير فكرة مركزية محورها الاتفاق على بناء الوطن ورفاهية شعبه، كيف يمكن إنجاز هذه الفكرة المركزية الموحدة للطيف السياسي هذا هو التحدي الذي يواجهه الوطن الان، وأكثر المهتمين بالعمل العام والسياسي غير مهتمين به أو يعملون ضده بوعي او بدون وعي.
sondy25@gmail.com