أزليَّةُ العلاقات السودانية السعودية، وتجذُّرها، أمرٌ لا مراء فيه، والقول بتميّز هذه العلاقات لكونها طبيعية ووجدانية بين الشعبين الشقيقين لا جديد فيه.
إنَّ هذه العلاقات التي تفرضها قوانين الجغرافيا والتاريخ تستحق أن تترجم على أرض الواقع مشروعاتٍ وبرامجَ تحقق المصالح الحيويّة للبلدين، وتزيد التقارب بينهما، في ظلّ عالم مضطرب، وإقليم يمثل مطمعاً لكلِّ القوى اللاعبة على مسرح السياسة العالمية.
وتعطي الزيارات المتبادلة بين المسؤولين، وقد زادت وتيرتها في الفترة الأخيرة، دليلاً على وجود توجُّه جديد، وإرادة حقيقية من أجل تجاوز مراحل الوعود، والاتفاقيات والمشروعات التي لا ترى النور، والانطلاق نحو مرحلة جديدة تسمو إلى مستوى أزلية العلاقات، والوجدان المشترك بين الشعبين، من خلال عملٍ جاد يسبق القول، ويلمس أثره الشارع العام في البلدين.
وتأتي زيارة رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك اليوم (9 مارس 2020م) تتويجاً لذلك الحراك الدبلوماسي الواسع بين البلدين مؤخراً، ويمكن قراءة أهداف هذه الزيارة بمعرفة الوفد المرافق الذي يضم كلّاً من وزراء شؤون مجلس الوزراء، والخارجية، والمالية، والزراعة والغابات، والاستثمار والتعاون الدولي، ومدير جهاز المخابرات العامة، ومحافظ بنك السودان المركزي.
وقراءة تشكيلة هذا الوفد تؤكد التركيز في جانبي الاقتصاد والاستثمار، وأنَّ مخرجات اللقاءات لن تكون حبراً على ورق، وخصوصاً أنَّ اللقاء سيكون مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مهندس رؤية 2030، التي تجعل تنويع مصادر الدخل هدفاً رئيساً، حتى لا يظل اقتصاد المملكة، وهي بلد قارة، مرهوناً بالنفط، الذي لا ينكر أحد أنه كان وراء ما شهدته من نهضة كبيرة في كل المجالات.
ولا يمكن القول إنَّ السعي السعودي للاستثمار في السودان لم يكن جاداً في السابق، ولكن كانت البيئة الفاسدة في ظلّ النظام السابق طاردةً للمستثمرين، كما أنَّ السودان كان محاصراً، ويعيش في جزيرة قصيَّة عن المجتمع الدولي، وقد أسهمت المملكة بجهود دبلوماسية حثيثة لكسر طوق الحصار، ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
إنَّ جني ثمار ما بذلته الدبلوماسية السودانية بدعم الأشقاء عقب نجاح ثورتنا العظيمة حان وقته، بتشجيع الاستثمارات العربية والأجنبية على أسس تضمن مصالح الوطن والمستثمرين.
وتأتي المملكة العربية السعودية على رأس الدول الراغبة في الاستثمار في السودان، لقربه الجغرافي والوجداني، ولكون رؤيتها تنبني على إيجاد مصادر جديدة للدخل الوطني، ومنها الاستثمار الخارجي الذي يبلغ نحو 470 مليار ريال بنهاية الربع الأول من عام 2020م.
إنَّ بلادنا، وهي في مرحلة الانتقال إلى عهد التداول السلمي للسلطة، تحتاج إلى دعم الأشقاء لا بالمعونات والمساعدات المباشرة، وإنما إلى بالاستثمار، الذي يستخرج كنوزها، ويقيم بنيتها التحتية، ويتيح فرص العمل لمواردها البشرية، ويوفر العملات الصعبة التي تستطيع بها توفير الحياة الكريمة للشعب الصابر.
والعلاقة المتميّزة مع المملكة العربية السعودية خيار إستراتيجي، ويبدو البعد الأمني فيها مهماً جداً للبلدين، ولأمن الإقليم، والأمن القومي العربي، في ظلّ تنافس محموم بين القوى الإقليمية والدولية أسفر عن إنشاء 13 قاعدة عسكريّة، مما يسبب توتراً في ممر تعبر منه ما مقداره 700 مليار دولار من التجارة العالمية سنوياً.
وخيراً يفعل البلدان وهما يضعان الاستثمار في المنطقة المشتركة في البحر الأحمر “أطلانتس2” في قائمة المشروعات الاستثماريّة، بما يحقق البعدين الأمني والاقتصادي.
إنَّ إزالة الصورة السلبية عن الاستثمار في السودان مسؤولية وطنية ينبغي أن يساهم فيها الإعلام بقوة، ونتطلع إلى شراكة مع الإعلام السعودي في هذا الشأن، لأنَّ المستثمرين السعوديين يمثّلون سفراء لسودان ما بعد الثورة، كما سبق أن قال رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، لأنَّ الشفافية إحدى شعارات هذه المرحلة المهمة في تاريخ بلدنا.
دعونا في البلدين الشقيقين نتحدث لغة العصر، وهي الاقتصاد، والتركيز في المصالح الحيويّة، وما ينفع الناس.