لو ان هناك صفة او سمة مميزة يمكن ان تطلق على حكومة الفترة الانتقالية فهي انها حكومة (جريئة) وخاصة في إطار القوانين، ففي ظل فترة اقل من سنتين اقتحمت الحكومة الانتقالية أصعب الأبواب على الإطلاق في المجالات المسكوت عنها او الممنوع المساس بها في السياسة والقانون، بدأت ذلك بمقابلة مع رئيس وزراء اسرائيل ثم توقيع اتفاق تطبيع مع إسرائيل ثم توقيع اعلان مباديء يعتمد فصل الدين عن الدولة ثم إيكال أمر قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لأشخاص الاختلاف عليهم من الضخامة بحيث يستغرب أن يوكل إليهم أمر كهذا، ثم ها هي تلغي قانون مقاطعة إسرائيل لعام ١٩٥٨، ولا احد يعلم إلى أين سيصل قطار الحكومة الانتقالية عند نهاية تكليفها في تغيير القوانين والمواقف التي أصبحت جزء من المورثات التاريخية للسودان في السياسة والقيم والاجتماع.
بعد ٦٣ سنة من إجازته قامت الحكومة الانتقالية قبل ايام قليلة بإلغاء قانون مقاطعة إسرائيل لعام ١٩٥٨، هذا القانون لم تلغه جميع الحكومات التي مرت على السودان (بما فيها الحكومتين الانتقاليتين بعد ثورتي أكتوبر وابريل) منذ تاريخ إصداره في ١٥/يوليو/١٩٥٨. ولتسليط الضوء عليه قليلا فان قانون مقاطعة اسرائيل لعام ١٩٥٨ الملغي ينص بصورة عامة على: حظر التعاقد والتعامل بالذات او الوساطة مع اي جهة أو شخص ينتمي لإسرائيل او يعمل لحسابها، أو مع الشركات التي لها مصالح او فروع في إسرائيل، كما يمنع القانون دخول أو تبادل البضائع المصنوعة في إسرائيل او التي يدخل فيها جزء من منتجات إسرائيل او التي يعاد شحنها في إسرائيل او التي تعود فوائدها على شركة او شخص في إسرائيل.
الحكومة الانتقالية يبدو انها جادة في قضية (التغيير)، ويبدو أن لديها مفهوما مختلفا (للتغيير) عن الكثيرين، ولكن السرعة التي تتبعها في تنزيل هذا التغيير والطريقة التي تشرعن بها هذا التغيير عبر إجازته بواسطة جلسة مشتركة بين مجلسي السيادة والوزراء اللذان يضمان شرائح محدودة من الشعب السوداني هي الشرائح الحاكمة نفسها، بما يجعل الحكومة هي المشرع والمنفذ في نفس الوقت، هذه الطريقة تجعل كل التغيير المصادم الذي تعتمده الحكومة الانتقالية عرضة للذهاب هباءا منثورا في المستقبل وذلك عند تعيين أول مجلس تشريعي منتخب من جميع مكونات الشعب وعند تعيين المحكمة الدستورية، فالقوانين ذات الصفة التغييرية التي تمس ثوابت تاريخية للأمة في السياسة والقيم يجب أن لا يتم تغييرها بصورة فردية أو عبر مكونات محدودة او عبر حكومة انتقالية لا تملك تفويضا جماهيريا كاملا، وإنما يجب أن يتم ذلك عبر إجماع وطني من خلال شرعية انتخابية او مؤتمر دستوري. لذلك سواء اختلفنا او اتفقنا مع خطوات الحكومة الانتقالية الجريئة في تغيير القوانيين الا انها خطوات تبدو كالقفز في الظلام مجهولة الهدف وغير مضمونة الاستمرار.
sondy25@gmail.com