. كتب المبدع محمد عبد الماجد مقالاً بعنوان ” الطيب مصطفى.. إني أشهد لرجل يكتب بحد السكين.. ” أعجبتني فيه جرأته وشجاعته رغم اختلافي مع بعض ما جاء في المقال.
. وقد أغضب المقال البعض، كما توقع ود عبد الماجد وهو يقدم شهادة إيجابية في الراحل الطيب مصطفى (رحمه الله).
. بالطبع ما كنا نتوقع أن يتهيب محمد عبد الماجد بعض القراء، فلو كان من هذه الفئة لأنحنى للعواصف إبان حُكم (المقاطيع) ولتخوف من آلتهم العسكرية وبطشهم.
. محمد بالنسبة لي زميل لم ألتقيه طوال حياتي سوى لدقيقتين فقط بمقهى جريدة الصحافة قبل سنوات طويلة قدمنا خلالهما الأخ والزميل المحترم معتصم عيدروس لبعضنا البعض وتبادلنا التحايا قبل أن ينصرف محمد لإكمال مقاله (الطووويل) حسب قول عيدروس وتأكيده هو وقتها.
. وبالرغم من قصر اللقاء المذكور، إلا أن ود عبد الماجد من نوعية الزملاء الذين تحس تجاههم بإلفة الأشقاء.
. فهو من طينة أولاد الناس الذين يكتبون ما يؤمنون به حقيقة ولا يمارسون التدليس أو النفاق.
. تعمدت التعقيب على مقال صاحب صفحة ” دق الدلجة” وزاوية “صابنها” لأن بعض الثوار ظنوا أن شهادتيه الإيجابيتين حول الطيب مصطفى ومزمل أبو القاسم الواردتين في المقال المذكور بمثابة ردة عن موقفه الراسخ والداعم للثورة منذ كانت وليدة.
. وقد قدمت لهولاء البعض رؤيتي وفهمي لما خطه يراع محمد، لكنني أردت نشر هذه الرؤية للعامة تصحيحاً لفهم البعض، وربما يكون فيما طرحه محمد بعضاً من الخطأ وفيما سأكتبه جانباً من الصواب أو العكس، المهم أن نتناقش لعل أحدنا يستفيد من وجهة نظر الآخر.
. قدم ود عبد الماجد في مقاله درساً حول الإختلاف بنبل وهذا ما اتفق معه حوله تماماً.
. كما ذكرنا محمد بألا شماتة في الموت، لكون الطيب وغيره سبقونا إلى دار سنلحقهم فيها جميعاً يوماً ما وهذا أيضاً موقف سليم لا نختلف حوله.
. إلا أن اختلافي الرئيس مع ما طرحه محمد عبد الماجد يدور حول فكرة ذكر محاسن الموتى.
. لست متفقهاً في الدين حتى أفتي فيه، وأكثر ما يرعبني هو الخوض في أمور الدين دون معرفة متكاملة، إلا أنني اطلعت على آراء بعض رجال الدين التي تجيز تناول الناس لأي أفعال مؤذية وضارة لأي شخصية عامة بعد وفاة هذه الشخصية، حتى يرتدع بعض الأشرار الآخرين الذين يؤذون البشر والأوطان، وبدا لي هذا الرأي بحسابات العقل منطقياً.
. وما تقدم يسنده ما ورد في صحيح البخاري ومسلم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال أنهم مَروا بجنازة، فأثنَوا عليها خيراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت، ثم مروا بأخرى، فأثنوا عليها شراً، فقال الحبيب المصطفى: وجبت. فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟. فقال عليه أفضل الصلاة والتسليم: “هذا أثنيتُم عليه خيراً، فوجبت له الجنة. وهذا أثنيتُم عليه شراً، فوجبت له النار. أنتم شهداء الله في الأرض”.
ففي الحديث أعلاه لم ينه . النبي (صلى الله عليه وسلم) صحابته عن ذكر مساوئ المتوفى الثاني، بل بيّن لهم أن مصداقيتهم فيما عرفوا عنه من سيئات ستكون شهادة وحجة عليه يوم القيامة، وبالتالي سينال العقاب الذي يستحق.
. ومما لا شك فيه أن الطيب مصطفى ساهم بالفعل في نشر الكراهية في هذا الوطن ولعب أكبر الأدوار في تشظيه، وهذا موقف بغيض لا ينتهي أثره بمجرد مواراة صاحبه الثرى فالأذى الذي تسبب فيه هو ورفقاء أمسه لا يزال قائماَ.
. لا أعلم الكثير عن موقف الطيب الأخيرة من نظام (المقاطيع) ولا إلى أين انتهى تعامله مع ابن اخته (الساقط) البشير، حتى أفتي فيه، لكن ما نتابعه من على البعد هو أن موقف الراحل كان متأرجحاً في الأشهر القليلة التي سبقت ثورة ديسمبر.
. وأثناء الثورة بدا داعماً لفكرة بقاء ابن اخته في الحكم بالرغم من جرائمه التي اعترف ببعضها بعضمة لسانه.
. أما مواقف الطيب إبان فترة المجلس العسكري وبعد تشكيل الحكومة الانتقالية فيذكرها الجميع وقد نوه لها محمد في مقاله، ولا تحتاج مني لإشارة جديدة هنا.
. إذاً الطيب ظل شريكاً وحليفاً للمجرمين والقتلة حتى أيامه الأخيرة.
. أما مواقف الطيب الشخصية مع ود عبد الماجد ككاتب في صحيفته الصيحة ومساحة الحرية التي وجدها عنده فلا أشك اطلاقاً في أي حرف خطه محمد في هذه الجزئية.
. لكن لدي وجهة نظر حول هذا الموقف أعتقد أنها الصواب، وسأبينها لاحقاً بعد أن أعرج لموقف محمد تجاه مزمل أبو القاسم الذي أشاد ود عبد الماجد بعلاقة العمل معه في صحيفته الصدى.
. والحقيقة أنني تعاملت مع مزمل وكتبت معه في الصدى لفترة قصيرة لم أجد منه خلالها إلا كل تقدير واحترام وتعامل راقٍ.
. لكن مزمل في ذلك الوقت كان كاتباً رياضياً فقط، بينما كنت أكتب للصدى مقالاً رياضياً، وفي ذات الوقت أنشر في مواقع أخرى بعض المقالات السياسية.
. ثم بعد أن أصدر مزمل صحيفته اليوم التالي اتضح لي موقفه السياسي ورأيناه كرفيق دائم للمخلوع في طائرته الرئاسية مع صحفيين آخرين يكتبون معه في اليوم التالي حالياَ، كما قرأنا له مقالات مخجلة مجد فيها المجرمين والقتلة (أحمد هارون نموذجاً)، ولهذا لم ترق لي مواقف مزمل السياسية اطلاقاً، بل صرت أبغضها.
. وظني أن العاطفة شوشت على العزيز ود عبد الماجد، فموقف مزمل الشخصي معنا الاثنين وموقف الطيب مع محمد شيء، ومواقفهما العامة كشركاء بشكل أو بآخر في جرائم نظام (المقاطيع) شيء آخر.
. ولو كانا من أي حزب أو مجموعة سياسية أخرى لقلنا أن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، لكنهما تماهيا في وقت مضي مع نظام مجرم ضيع البلد وقتل إخواننا الذين سخرت قلمك بكل قوة للدفاع عن قضيتهم أخي محمد.
وإن كنا سنصفح بهذه السهولة عمن يقول أنه اختلف مع حلفاء الأمس بعد مشاركتهم في الكثير من الجرائم (حالة الطيب مصطفى)، أو المتحول سريعاً من داعم حتى النخاع للمخلوع ونظامه حتى الأيام الأخيرة إلى ثوري بعد السقوط (حالة مزمل)، فلا يفترض أن نكتب أنا وأنت وغيرنا عن تحقيق العدالة ومحاسبة المجرمين واسترداد أموالنا المنهوبة.
. كما يبدو لي أن تواضع ود عبد الماجد الجم قد أنساه حقيقة كونه أحد ألمع مبدعي بلدي.
. َوالطيب ومزمل لا يعوزهما الذكاء حتى يفقدان كاتباً مثلك يمكنه أن يساهم في زيادة مبيعات صحيفتيهما.
. يعني كانا سيخسران لو ضيقا عليك الخناق، خاصة الطيب بعد أن أدرك أن مساحة الحريات أهم عندك من الراتب الذي كان يصرفه لك مقابل زاويتك.
. أخلص مما تقدم إلى أن موقف ود عبد الماجد الذي عبر عنه حقيقي وأصيل، لكن ربما شابه سوء تقدير للأمور بسبب عاطفة الإنسان السوي الذي تعامل مع الشخصيتين عن قرب، لكنه ليس تخاذلاً أو ردة كما فهم البعض، فأمثال محمد عبد الماجد لا يخذلون قراءهم ولا يبدلون مواقفهم.