شاركت أمس (6 يوليو 2021م) ممثلاً لجمعية الصحفيين السودانيين بالسعودية في اجتماع للملتقى السوداني الثقافي الاجتماعي بالرياض مع الدكتور جبريل إبراهيم وزير المالية الذي يزور العاصمة السعودية هذه الأيام.
كان لهذا الاجتماع، بالنسبة إليَّ، دلالات خاصة، فوجود الرجل الذي ترك حياة الدعة، حاملاً المسؤولية والسلاح بعد استشهاد شقيقه الدكتور خليل إبراهيم، رحمه الله، بيد ذلك النظام الباطش، مع الزملاء في الملتقى الذي كان تأسيسه أحد إبداعات شعبنا السوداني في المغترب لمقاومة الظلم، يؤكد حقيقةً أننا نعيش السودان الجديد، الذي تتضح معالمه مع مرور الأيام، ليصبح، بإذن الله، واقعاً دائماً تنعم به الأجيال المقبلة.
إنَّ هذا اللقاء الذي جمع بين الهامش المُقصي من المشهد السياسي مع سابق الإصرار مع من أُقصوا خارج الوطن قسراً، وظلوا خارج دائرة الاهتمام، ليؤكد أنَّ ذلك النظام البغيض سقط بالفعل، وأنَّ علينا واجب الترحُّم على مَن ضحَّوا بدمائهم الزكية، فرووا أرض الوطن، لتزهر فيه شجرة الحرية، ولتمتدّ فيه مظلَّة السلام لتستوعب الجميع في ظلٍّ وارفٍ، بلا تمييز بينهم، ليبنوا بلدهم على أساس العدل والمساواة، فيصمت صوت البندقية، ويعلو البناء.
كنتُ إذا حضرت لقاءً مع مسؤولي الإنقاذ أشعر بالغربة والأسى معاً، إذ كانت لغتهم في الخطاب بائسة، وتعتمد على الارتجال في زمن المعلومة، فإذا انتقد مستثمر وأبدى ضجراً، كان الردُّ الحاضر: ابشر يا زول، تعال لي بس.. أنا بابي مفتوح”، وإذا طلب أحدهم معلومات محددة، كان التهرُّب، والتهويم، وكان هذا سبباً كافياً لتجمد المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول مشروعاتها الاستثمارية، وبخاصة أنَّ من قادتهم الظروف للاستثمار وجدوا بؤرة فساد قلَّ وجود نظيرها في مكانٍ آخر، وشبكة من السماسرة تقود إلى متاهة لا نهاية لها.
طرح المشاركون في اللقاء أسئلةً كان أغلبها عن المغتربين، ومشكلاتهم، ورؤى لإصلاح الحال في الداخل، من واقع خبرات اكتسبوها في المجالات المختلفة، فعزف الجميع سيمفونية رائعة في حبِّ الوطن، وتبادل الطرفان معلوماتٍ مهمةً بشفافية عالية، ليتمخَّض الاجتماع عن وضع كثير من الملفات المهمة للمغتربين على طاولة مجلس الوزراء، لا وزارة المالية فحسب.
وشارك في الحوار نائب رئيس البعثة أحمد إسماعيل لا بصفته الرسمية، وإنما بلسان المغتربين، مؤكداً أهمية النظر إليهم على أنهم أصحاب خبرات واسعة، وهمم عالية، وحب وانتماء حقيقيين للوطن، مع استعداد لبذل الغالي والنفيس في سبيل رفعته.
لم يخلُ الحوار من مخاشنات محمودة في إطار حوار راقٍ واحترام للرأي والرأي الآخر، مع اتفاق على أنَّ الواقع المَعيش لم يفِ بالوعود والتطلعات، التي كانت متوقعةً بعد ثورة عظيمة أدهشت العالم، ولم يحاول الوزير التنصُّل من المسؤولية، وإنما اعترف بشجاعة بكثير من الإخفاقات، مع توضيح بعض الخلفيات التي قد تغيب عن كثيرين.
وكان الاتفاق على أهمية بثِّ الطاقة الإيجابية، لاستنهاض الهمم، وتجاوز هذه المرحلة التي اتفق الجميع على صعوبتها، استشرافاً للتحوّل الديمقراطي.
نعم “سقطت”، والقادم أجمل بإذن الله، لأنَّ هذا الوطن يستحق، وشعبه عظيم بحق.