الولاية الشمالية تعتبر من أكثر ولايات السودان هدوءا واستقرارا ورغم قساوة التهميش الذي يتعرض له الولاية من المركز لم يفكر ابناء الولاية في يوم من الايام حمل السلاح في وجه حكومة المركز .
وظل ابناء هذه الولاية يبنون مرافقهم الصحية والتعليمية والدينية بجهدهم الذاتي ولم ينتظروا يوم حكومة المركز لبناء مدرسة او مستشفى حتى شارع شريان الشمال الذي تعتبره حكومة النظام السابق من اهم انجازاتها في الولاية دفع ابناء الولاية وخاصة قطاع المغتربون منهم تقريبا كل تكلفة رصف هذا الطريق الحيوي .
كل حكومات المركز لم تتعامل مع انسان هذه الولاية الا بالتجاهل الكامل لكل قضاياه .. لم يتجاهلوه فقط بل عملت حكومات المركز على تدمير هذه الولاية . حكومة عبود اغرقت زهرة المدائن وادي حلفا وتم تشريد اهلها في ارض البطانه التي لا تشبه واقعهم وتحملوا كل ذلك بصبر فاق صبر سيدنا ايوب . وحكومة البشير أكلمت الباقي واقامت سد مروي فوق ارض الولاية ولم يكسب سكان الولاية من قيام السد الا التشريد ومشاكل الطفح المائي والتغيير المفاجيء في طقس المنطقة مما اثر ويؤثر سنويا على محاصيلهم الزراعية التي كانوا يعتمدون عليها في حياتهم .
كل هذا وانسان الولاية الصابر المحتسب يعاني الامرين ولكنه مازال يتمسك بسلميته واحترامه لسيادة القانون .
الا ان وصلنا الى اخطر مرحلة وهي مرحلة التعدين العشوائي عن الذهب والذي يسمونه زورا وبهتانا بالتعدين الاهلي . حيث تحولت الولاية المسالمة ما بين ليلة وضحاها الى اكبر مكب لنفايات التعدين والمواد الخطرة مثل السيانيد والزئبق . وضاقت ارض الشمالية بما رحبت بالملايين من السودانيين الذين دخلوا ارض الشمالية بما يشبه الغزو الكامل لاراضيها بجانب شركات الموت التي نصبت معداتها وإلياتها في كل شبر من ارض الولاية وتحولت الولاية الى ما ما يمكن وصفه بحفرة كبيرة وتحولت جغرافية الارض وطبيعتها من ارض زراعية واعدة بالخير لكل السودان الى جبال من تراب التنقيب العشوائي وعلا غبارالمعدات والاليات التي تعمل في حفر وجرف التربة وغطى كل ارجاء الولاية هذا الغبار المحمل بأسواء المواد الكيميائية الخطرة القاتلة للانسان والحيوان والنبات .
يحدث كل هذا التغيير الديمغرافي وتغيير التركيبة السكانية للولاية باثرها وسط صمت مطبق من حكومة المركز وقرارات خجولة من حكومة الولاية تقول بمنع الجهات العسكرية من الدخول في عمليات التنقيب وهي قرارات خجولة لاتجد حظها من التنفيذ ولا تجد مساندة من حكومة المركز الانتقالية وكيف ستجد المساندة من حكومة المركز وبالذات الشق العسكري منها وهم ضالعون ووالغون في عمليات التنقيب في الشمالية تحت واجهات مختلفة لا تنطلي على احد .
الآن وقد بلغ السيل الذبى وتجرأت بعض الحركات المسلحة باستخدام اسلحتها الثقيلة للسيطرة على بعض آبار التنقيب العشوائي كما حدث في منطقة دلقو ودارت حرب حقيقية بين فصيل مسلح يتبع لاحدى الحركات المسلحة والموقعة على ما يسمى باتفاقية جوبا وبين شرطة حماية التعدين وتحركت هذه القوات من مكان التنقيب لتحاصر مستشفى دلقو والذي تم تحويل ضحايا هذه المعركة من الجرحي والقتلى اليه وكأول حادثة في تاريخ المنطقة ان يتم حصار مستشفى بواسطة افراد مسلحون !!
وقبل ايام قليلة ايضا تقف قوات حركة مسلحة في طريق شريان الشمال في قرية جنس شمال مدينة عبري لتقطع الطريق هناك وتجري عمليات تفتيش للعربات العابرة لهذا الطريق بطريقة غير قانونية . وكذلك الانباء المزعجة التي تأتينا من منطقة المثلث غرب محلية عبري عن وجود تحركات مريبة لبعض المسلحين هناك وانباء اخرى تتحدث عن اسلحة كثيرة يتم ترحيلها عبر المثلث الى داخل الولاية في خطوة تشير بوضوح شديد لجنوح هذه الحركات لنقل العنف الى داخل مدن وقرى الولاية الشمالية .
الآن اصبح الوضع ينذر بالخطر الشديد واضحى الامر واضحا ان بعض حركات دارفور المسلحة ( اقول البعض ولا اقول الكل)قررت تحويل الولاية الشمالية لساحة جديدة من ساحات حربها وقررت تغيير التركيبة السكانية للمنطقة بقوة السلاح والاستيلاء ايضا بقوة السلاح على بعض مواقع التعدين .
ونحن في الولاية الشمالية ابتداءا نرفض اصلا التنقيب عن الذهب بهذا الشكل العشوائي ونطالب الحكومة الانتقالية بوقف كل عمليات التنقيب في ارض الولاية لحين اصدار القوانين الصارمة والتي تراعي كل الاشتراطات الصحية والامنية اللازمة وان تقتصر عمليات التعدين على شركات متخصصة في هذا المجال وان تكون هذه الشركات تحت المراقبة اللصيقة من الدولة ومن انسان المنطقة الذي يدفع الثمن الغالي من صحته ومستقبل ارضه .
ورسالتنا الواضحة للحكومة الانتقالية ونخص المكون العسكري داخل هذه الحكومة ونقول لهم بكل الصدق ان ما يجري في ارض الولاية الشمالية ينذر بالخطر المحدق ليس للمنطقة وحدها بل للسودان كله . اما ان تقوموا بالواجب المفروض عليكم وبسط السيطرة الامنية بشكل كامل في كل ارجاء الولاية ووقف هذه الفوضى التي تمارسها القوات التابعة لبعض الحركات المسلحة والا فإن انسان الشمالية قادر على حماية ارضه وتاريخه وانسانه وحضارته الضاربة في عمق التاريخ البشري . ان احفاد بعانخي وترهاقا قادرون على حماية ارض اجدادهم فلا تدفعوهم دفعا لاتخاذ مواقف قد تضر كل السودان .
ان انسان الشمال مسالم بطبعه ولا يميل للعنف كما تعلمون ولكن اذا فرض عليه العنف من الاخرين فأنه على استعداد كامل للتضحيه بنفسه وماله لكي تبقى ارض الشمالية لهم كما كانت حتى يسلموها دون نقصان او تغيير في تركيبتها السكانية لاجياله القادمة .
احذروا غضب الحليم اذا غضب
وكان الله في عوننا
رمزي المصري