اندهشت كما الكثيرين لما كتبه السيد وزير الاستثمار الاتحادي من شكر لجهاز الأمن الاقتصادي على هدية للوزارة هي عبارة عن ماكينة تصوير!
ما اندهشت له هو ليس فقط كم هي فقيرة وزارة الاستثمار، وانما كيف يهدي جهاز حكومي شيئا لجهاز حكومي آخر!! الملكية العامة لا تهدى، المعدات والأجهزة في الدولة ليست ملكية خاصة بالجهة التي تشغلها، وإنما هي ملكية الدولة، وبالتالي لا يمكن أن تهدي الدولة للدولة .
اذا كانت ماكينة التصوير زائدة عن حاجة الأمن الاقتصادي فيجب إعادتها إلى وزارة المالية ومن هناك يتم إعادة تخصيصها وتوزيعها لمن يحتاجها من أجهزة الدولة الأخرى. او نقلها إلى عهدة وزارة الاستثمار عبر مناقلة رسمية بإشراف وزارة المالية مادام انها تحتاجها، ولكن لا يمكن أن يسمى هذا في كل الأحوال (هدية).
هذا الحدث يجعلنا نفهم المنهج الذي مازالت تدار به الدولة السودانية، منهج ان هنالك دول متعددة داخل الدولة الواحدة، وأن هناك أصول وأموال حكومية تدار بطريقة بعيدة عن إدارة المال الواحد المملوك لجهة واحدة هي الدولة، وهو خلل يحتاج للمعالجة، وهي المعالجة التي بح صوت الجميع في المناداة بها وهي إكمال ولاية وزارة المالية على جميع أموال الدولة.
حكومة السودان يجب أن يكون لديها سجل شامل كامل بكل الأصول والممتلكات التي يملكها كل جهاز حكومي في اي بقعة من بقاع السودان سواء كان جهاز مدني او عسكري، اتحادي او ولائي، كل شيء صغيرا كان ام كبيرا يجب أن يكون مسجلا في هذا السجل، ومعروف لدى الكل ان هذا الشيء ملك لحكومة السودان.
هذا الحصر لممتلكات الحكومة يجب أن يتم عبر نظام الكتروني دقيق، مبوب ومصنف، ويجب مراجعته بشكل دوري، ومتابعة حالة الأجهزة والممتلكات لدى كل الجهات.
هذا الحصر لا غنى عنه لأي دولة فهو يعطيها فكرة عن الموجود لديها من الإمكانات والأصول والأجهزة والخ ، واين توجد بالضبط، كما سيعطيها بالمقابل فكرة عن النقص لديها ومقداره وأين مكانه بالتحديد. وهذا بالضبط ما سيحكم أولويات الصرف المستقبلي وموجهات اعتماد المشتريات.
كما سيمكن هذا الحصر الحكومة من القدرة على ترحيل ونقل ومبادلة الاحتياجات الفائضة والزائدة عن الحاجة بين الجهات المختلفة داخل الحكومة من وزارة إلى وزارة ومن ولاية إلى أخرى.
مثلا اذا أثبت الحصر وجود ٢٠٠٠ عربة لدى نصف حكومات الولايات، وفي النصف الاخر توجد ١٠٠٠ عربة، فهذا يستدعي نقل العربات الزائدة من هذه الولايات إلى تلك، وهكذا.
وزارة المالية هي الجهة المسؤولة عن حصر وتسجيل كل الأصول المملوكة للدولة ومراقبة حركة تناقلها، وهي المسؤلة عن اعتماد جميع المشتريات في إطار الدولة، كل مال حكومي يخرج لشراء اي شيء في اي مكان في الدولة يجب أن يخرج اعتماده من وزارة المالية، وهذا الاعتماد لابد أن يراعي حوجة الجهة لهذا الشراء، وبالتالي اذا لم يكن هناك داع وحاجة لا يجب أن يعتمد بند الصرف المذكور.
هذا التدقيق من وزارة المالية وافرعها هو الذي يضبط النشاط المالي والإداري في ممتلكات الدولة، وفعالية هذا التدقيق والمراقبة هي التي تجعل من الصعب وجود هدايا بين الجهات الحكومية كما ذكر السيد وزير الاستثمار.
يوسف السندي
sondy25@gmail.com