(الحداثة)
المقال الأسبوعي
٢٠ سبتمبر ٢٠٢١
تصادف هذا الأسبوع، الذكرى الثامنة لهبًة سبتمبر، الشعبية، التي انطلقت في 23 سبتمبر 2013 ، في مواجهة نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، وشكلت حدثا مزلزلا، أطاح الكثير من أوهام حُكام الأمس، ومَن فقدوا الأمل في صوت الشارع، الذي ثار، ففاجأ الجميع، وعمًد طريق التغيير، بالدماء والدموع.
استحضار وقائع الأحداث، مهم ، إذ يُنعش ذاكرة الشعب ويُخصبها…
لاسترجاع بعض التفاعلات ، أشير إلى ست نقاط ، أولها ، شعارات هبة سبتمبر، وتفاعلات قوى المعارضة مع الحدث، و تصرفات قادة النظام ، والتعتيم الإعلامي، ، في زمن الفضاء المفتوح، ومواقف دول كبرى ، وأحدث رسالتين وجهتهما أسرتا الشهيدة سارة عبد الباقي الخضر( 2013) والشهيد عباس فرح عباس ( 2018).
أولا: التظاهرات التي شهدتها العاصمة، ومدن أخرى، وفجر شراراتها قرار رفع الدعم عن الوقود، ارتفع سقف غاياتها سريعا، فرفع المتظاهرون شعارات ( ارحل) و( حرية، سلام ،عدالة، والثورة خيار الشعب ) و( مليون شهيد فداك ياسودان) وطالبوا الجيش بالانحياز للشعب، وفي الشعارات بدت واضحة اتجاهات البوصلة.
أي أن شهداء سبتمبر 2013غرسوا غراسا حيًة، مهًدت لثورة الشباب في ديسمبر 2018.
ثانيا: قوى المعارضة المدنية تفاعلت مع الهبًة، وفي 28 سبتمبر 2013 أعلن تحالف لقوى المعارضة استمرار ( طريق الثورة) كي يتم ( اسقاط النظام الظالم) وأرى أن التطور الأبرز تمثل في ( تنسيقية قوى التغيير) التي ضمت قوى في صدارتها ( تحالف شباب الثورة السودانية) و( تحالف قوى الاجماع الوطني) و(نقابات مهنية) بينها ( نقابة الأطباء) و(تحالف منظمات المجتمع المدني) و( لجنة المعلمين) و(نقابة أستاذة جامعة الخرطوم ) و(التحالف الديمقراطي للمحامين) و(نقابة أطباء الأسنان).
في تلك الأجواء إنطلقت تظاهرات من مساجد في ( جمعة الشهداء ) في اليوم الخامس للحراك، 27 سبتمبر2013، وفي اليوم نفسه قًتل النظام القمعي بدم بارد عشرات الشهداء، وجرى توقيف مئات المتظاهرين.
النظام المباد منع وصول بعض المصلين إلى مسجد الإمام عبد الرحمن المهدي بحي ودنوباوي الثائرة بأم درمان – وهو قلعة من قلاع الوسطية الدينية والسياسية – ورغم ذلك وجًه رئيس حزب الأمة القومي الإمام الراحل الصادق المهدي، كلمة في ( جمعة الشهداء) وانتقد النظام ، وندد بـ ( غياب الإدارة الرشيدة)، وأعلن تأييده ( التعبير السلمي للمواطنين).
حاورته من الدوحة، ، هاتفيا، وحمل عنوان بصحيفة ( الحياة) اللندنية ، أول أكتوبر 2013 قوله إن ( رحيل نظام البشير بأت أولى وأوجب)، ورأى أن ( الموقف الآن تطور، لأنه دخل فيه سفك دماء، مقتل متظاهرين، وسفك الدماء يفقد أي حكومة الشرعية ) وأن (النظام فشل ).
( قوى الكفاح المسلح) دعمت حراك الشارع السلمي ، كما طرحت مبادرة، تلقيت تفاصيلها عبر اتصال هاتفي أجريته من الدوحة أيضا مع دكتور جبريل إبراهيم نائب رئيس الجبهة ورئيس حركة العدل، وانفردت الصحيفة بنشرها ،عن ( مشروع إعلان سياسي) قدمته ( الجبهة الثورية) التي كانت تضم حركة العدل والمساواة، وفصيلي حركة تحرير السودان، والحركة الشعبية – شمال- إلى قوى المعارضة و كانت تهدف إلى (توحيد قوى الثورة) ووضع ترتيبات ( الفترة الانتقالية) أي أن مواقف المعارضة المدنية والمسلحة دعمت التظاهرات.
ثالثا: وحشية النظام كشفها القتل الجماعي، وقيل آنذاك أن الشهداء أكثر من مئة، و اُصيب كثيرون بجروح ، وهذا أكد مجددا أن النظام دموي، وأرعبته مواكبُ المتظاهرين، فلجأ إلى قناصة، للضرب بالرصاص الحي، والتركيز على الرأس، والصدر، والبطن، وفقا لتقارير أطباء.
قادة النظام – كعادتهم – يكذبون، واتهموا متظاهرين بأنهم ( مخربون) و( يتلقون أموالا من الخارج) وأن ( مندسين) وراء إطلاق النار، كما لجأوا إلى تعليق الدراسة لمنع انتشار التظاهرات.
أعيد للأذهان أن مساعد الرئيس المخلوع، نافع علي نافع، قال إن ( الأجهزة الأمنية ضبطت سيارة مليئة بقنابل المولوتوف كانت معدة للتخريب، وأن السلطات ضبطت أموالا قادمة من الخارج، لإشعال الفتنة).
لكن أخبار الخرطوم كشفت أن نافع، المشهور بعباراته المُسيئة للشعب، وبينها ( الحس كوعك) ، جرى طردُه من بيت عزاء الشهيد الصيدلي صلاح سنهوري ، الذي شكل تشييعه ، ملحمة وطنية، إذ ردد المتظاهرون بقوة شعارات ( حرية، سلام، عدالة، والثورة خيار الشعب) .
رابعا : ركز النظام الديكتاتوري على نهج التعتيم الإعلامي والقمع، فمنع وسائل الإعلام المحلية من نشر أخبار التظاهرات، وأصدر توجيها، لنشر معلومات عن ( المخربين) و( التخريب).
رغم سيطرة إدارة الإعلام بجهاز الأمن و المخابرات على الملف الإعلامي ، فقد تجاوز بعض صحافيي الخرطوم، التعليمات، وعلى سبيل المثال ارتفعت أصوات في الفضاء ، و صودرت أومُنعت هذ الصحيفة أو تلك من التوزيع، و اُغلق مكتب قناة (العربية) ، واتُخذت إجراءات ضد قناة ( سكاي نيوز عربية) وتزامن ذلك مع ملاحقات ، وشكاوى، رفعها مسؤولون وسفراء وأمنيون لحكومات ، خصوصا في الخليج، وطالت بعض الصحافيين وناشطين، وكان كاتب هذه السطور في صدارة قائمة المُستهدَفين.
خامسا: أرى أن التنويه بمواقف دول كبرى، ومنظمات حقوقية دولية ، مهم، لأنها نددت بقمع متظاهرين في 2013 ، ودعت إلى احترام حق التظاهر السلمي، وفي صدارتها أميركا وبريطانيا ، ودول الاتحاد الأوروبي، هذه الدول لديها قيم تدافع عنها، وتحترم حرية التعبير، والصحافة، والتظاهر، و التعددية السياسية والدينية، أي حقوق الإنسان، وعلينا تعميق وعي المواطن بهذه القيم لأنها أقوى سلاح.
سادسا: ماهي أحدث رسالة وجهتها أسرتا الشهيدة سارة عبد الباقي ( 2013) والشهيد عباس فرح عباس(2018) ؟
السيد عبد الباقي الخضر، والد الشهيدة سارة، سألته في اتصال هاتفي عن الشهيدة، قال إنها (خريجة جامعة السودان، تخصص كيمياء، نالت الماجستير قبل أسبوعين من قتلها بالرصاص) وهي ( أصيبت بطلقتين في بيت عزاء، ولم تكن في تظاهرة، وتُوفيت في مستشفى).
( منظمة شهداء سبتمبر 2013) بدأت نشاطها هذه الأيام ، لكن والد الشهيدة بدا غاضبا من ( حكومتنا التي عاملتنا معاملة سيئة) لأنها (لم تبسط العدالة) و ( أطالب بإعادة فتح قضية سارة واحالتها على القضاء) وهو يرى أن (حكما بالبراءة صدر في فترة النظام السابق مُسيس ومرفوض).
أسر الشهداء كتلة واحدة، هكذا أكد ( أنا لا أتكلم عن قضية سارة فقط، بل عن كل اُسر شهداء سبتمبر، نريد أن يُحاكم القتلة، لابد من مساءلة رؤساء أقسام الشرطة التي حدثت في مناطق عملهم عمليات القتل، لأنهم يعرفون أين وقع القتل ، قضينا 8 سنوات نتابع قضايا الشهداء، لا نستطيع أن نتحمل 8 أشهر إضافية)
بصوت وقلب موجوع، شدد على أن ( سارة، وكل الشهداء “حارقين” قلوبنا، لا نستطيع حصر عددهم، حصرنا أكثر من مئة شهيد ) و أعتبر أن ( قضية سارة و الشهداء، هي قضية الشعب ، خصوصا الشباب ولجان المقاومة).
وجع أم الشهيدة سارة لا يوصف ، قالت آمنة الأمين علي محمد، بطريقتنا السودانية، المُعبًرة، بصدق، عن المواجع ( الزي سارة ما بقعد) أي أن سارة متميزة، و أن ( سارة عندما أصابها الرصاص كانت بجوار اختها ايمان، فأوصتها ( قولي لأمي وأبوي يعفو عني).
النظام المباد أرعب الناس في بيت العزاء، وأشارت إلى أن (منزلنا تعرض طيلة أيام العزاء الثلاثة لإطلاق الغاز المسيل للدموع، لتفريق المُعزين، وأهلنا من أم درمان عبروا “الكُبري” مشيا على الأقدام إلى منزلنا في الدروشاب ) وشددت على أن ( شهود قضية سارة موجودون) وأن ( بعض أسر الشهداء لا تُمكًنهم ظروفهم المادية من توكيل محامين، وهناك من حملوا شهداءهم على “كارو”ثم دفنوهم).
ياله من مشهد موجع….
الدم يشكل القاسم المشترك بين شهداء سبتمبر وديسمبر، سألت هاتفيا السيد فرح عباس رئيس (منظمة أسر شهداء ثورة ديسمبر المجيدة 2018 ) وهو والد الشهيد عباس عن قضايا الشهداء، ردً : ( لا جديد ، نحن في السنة الثالثة، لم تُقدم سوى 8 ملفات إلى القضاء، وما تم البت بشأنه لم ينفذ الحُكم ، بسبب غياب المحكمة الدستورية، ومجلس القضاء، أي لم تُستكمل مرحلة الاستئناف، ومراحل التقاضي تتطلب الاستئناف ) مشيرا إلى قضية المعلم الشهيد أحمد الخير.
وما الحل؟ أجاب: (هناك من يدعو خارج منظمة أسر الشهداء إلى ( تسقط بس) أي تسقط ( السلطة الانتقالية) ، لكننا ندعو إلى تصحيح المسار، وإذا استنفدنا كل شيء فستكون مساراتنا دولية) وتحسًر أسفا، بقوله ( كنا نأمل بتعيين شرفاء بالجهاز العدلي لإرساء دولة القانون ، هذا مطلب أساس).
قناعته ( إذا لم تتحقق العدالة، فالسودان لن يخطو خطوة إلى الأمام، بدون عدالة سيطال الخراب أي مرفق) و( الناس تتكلم عن العدالة الانتقالية، لكن يجب أن يخرج من تسببوا في الجرائم ليقولوا نحن قمنا بكل الجرائم ، فالاعتراف سيقود إلى تصحيح الأمور، ووقتها يحق لأسر الشهداء أن يقبلوا الدية، أو يطالبوا بالقصاص، أو العفو، لكن لابد من الاعتراف بالحقيقة أولا، نريد تربية الأجيال على أخلاقيات ليكونوا مواطنين صالحين، نريد ثقافة جديدة في هذا الشأن).
المحزن أيضا أن قائمة شهداء 2018 مفتوحة ، أكد أن (عدد المسجلين رسميا ( 302 ، بينهم ست بنات، لكن العدد أكبر، لأنه ظهر في وقت لاحق وجود مقابر، وهناك من دُفنوا أحياء ، ما يعني أن القائمة طويلة ، أي ربما آلاف الشهداء)
رسالته إلى الحكومة الانتقالية ( ندعوها إلى سن قوانين تتماشى مع متطلبات المرحلة، هناك قوانين غائبة، لدينا قوانين تساعد على القتل، هناك قاتل شهيد تمت ترقيته، شاهدنا ممارسات سيئة، ضرب، قتل، اغتصاب ، هناك جرحى ومفقودون، ومن يخضعون لإخفاء قسري، كيف نتكلم عن عدالة انتقالية مع وجود كل هذه الأشياء، العدالة تُبنى بالصدق).
أدعو (السلطة الانتقالية) إلى قراءة هاتين الرسالتين، لأنهما تعكسان نبض أسر الشهداء عشية وقفة احتجاجية، وتجمع أسر شهداء في نادي أبو روف السبت المقبل.
برقية:
لا استقرار سياسيا وأمنيا واجتماعيا وتنمويا من دون عدالة.
modalmakki@hotmail.com