كتبت كثيرا وكثيرون قبلي كتبوا وتساءلوا عن هذا الصمت المريب الذي تمارسه الجبهة الثورية وقادة الحركات المسلحة حول ما يجري في هذا الوطن وكأن الأمر لا يعنيهم من قريب أو بعيد .
انقلاب عسكري وتوتر شديد في شرق البلاد وقفل ميناء السودان الرئيسي وتبادل لكمات ( نعم لكمات وليس كلامات) بين المكون المدني والعسكري وتراشق اعلامي مكثف واتهامات متبادلة .
يحدث كل هذا امام سمعهم وبصرهم وهم يمارسون الصمت المريب وكأن ما يجري يحدث في بلاد ( الواق واق) وليس في السودان . إلا من بعض التصريحات التي تصدر من بعضهم يستنكرون الانقلاب وعلى
وعلى استحياء شديد .
من حق الجميع أن يندهش لهذا الموقف الغير مفهوم من هؤلاء القادة ومن حق الجميع أن يفهم مغزى هذا الصمت .
تفسيري لهذا الأمر مرتبط ارتباطا وثيقا بأمرين لا ثالث لهما
الأول أن هؤلاء القادة اصلا يعشقون الحكم العسكري ولا يميلون كثيرا للحكم المدني بل يتمنون أن يستمر العسكر في حكم البلاد لانهم يعلمون جيدا أن اي حكم مدني ديمقراطي لن يمنحهم هذه الفرصة التي اتتهم في طبق من ذهب لاعتلاء كراسي الوزارات .
معظمهم يفتقدون إلى السند الشعبي في مناطقهم ولا حظ لهم فيما لو جرت انتخابات حرة ونزيه شأنهم في ذلك شأن كثير من الأحزاب التي تملأ الآن الدنيا ضجيجا . فينطبق عليهم المثل الذي يقول ( عصفورة في اليد ولا عشرة في الشجرة).
الأمر الثاني هم يعلمون جيدا أن قصة المسارات التي ابتدعوها في اتفاقية جوبا هي القاسم المشترك الأعظم لكل التوترات التي حدثت في الشرق وبعض الارهاصات في نهر النيل وقطعا ستلحق باقي مناطق الشمال والوسط أن عاجلا أم آجلا .
وكما قلت من قبل في إحدى المقالات أن قادة الحركات تعمدوا خلق هذه المسارات حتى ينجحوا في نقل الصراع من دارفور إلى كل مناطق السودان والحق يقال انهم وبهدوء تام نجحوا في ذلك ولحد درجة الإمتياز والحكومة الانتقالية بوعي أو بعدم وعي وبرعونه شديدة وافقت على ذلك .
وان كنت شخصيا أميل إلى القول إن الحكومة الانتقالية قد فعلت ذلك بوعي شديد وبنظرة واحدة لأعضاء الوفد الحكومي الذي كان مفاوضا في جوبا تتأكد فرضية أن ذلك حدث وبوعي كامل .
ليس هناك أي معنى للاصرار في السير في طريق هذه المسارات .
قلنا مرارا وتكرارا أن حركة كوش التي فاوضت باسم مسار الشمال لا تملك من الشمال إلا الاسم فقط. وليس لهذه الحركة اي وجود فعلي ولا سند جماهيري وكثيرون من اهل الشمال لم يسمعوا باسم هذه الحركة إلا في مفاوضات جوبا . وقبل التوقيع على اتفاقية جوبا تقدم عدد كبير من التنظيمات النوبية ومنظمات العمل المدني النوبي بمذكرة واضحة لمجلسي السيادة والوزراء يرفضون فيه الزج باسم الشمال في مفاوضات جوبا تحت راية حركة كوش .
نفس الوضع ينطبق على مسار الوسط بقيادة التوم هجو والذي فشل حتى في تسميه اي حركة أو تنظيم باسم الوسط ليؤدي دور الكمبارس كما فعل رفاقه في مسار الشمال .
ومسار الشرق ومآلاته لا تخفى على أحد حتى تطور الأمر إلى ما نحن فيه اليوم من قفل للطرق والميناء وقطع الطرق المؤدية إلى رئة السودان في الشرق .
مسار الشرق الذي ادخل كل الشرق في أتون صراع قبلي لا يعرف إلا الله مداه عندما منحت بعض القبائل أفضلية أكثر من قبائل أخرى أقول هذا مع رفضي الكامل لما يقوم به الناظر ترك ولكن في ذات الوقت أقول ان ما يجري ما هو إلا تداعيات لمشكلة أساسية اسمها المسارات .
لا أدري ماذا تنتظر الحكومة الانتقالية . هل تنتظرون أن تشتعل باقي المناطق حتى تعلنوا تجميد المسارات ؟
الحل المتاح حاليا أن تعلن الحكومة الانتقالية تجميد المسارات في مفاوضات جوبا على أن تستمر اتفاقية جوبا بكل علاتها في دارفور والنيل الأزرق . هذا هو الحل المتاح للجميع وبدون تردد وليس من العيب أن تخطيء ولكن العيب كل العيب أن تصر وتستمر في الخطأ .
جمدوا مسارات اتفاقية جوبا كي تسلم بلادنا من الشرور يا دكتور حمدوك
وكان الله في عوننا
رمزي عبد العزيز المصري