رصد- التحرير:
أعدت “الحياة” اللندنية تقريراً مثيراً حول دعوة الرئيس التونسي إلى جواز زوج المسلمة من غير المسلم،ومطالبته المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث.
تواصل تونس تفردها في مجال حقوق المرأة، إذ واصلت مسيرة أكثر من نصف قرن في منح المواطنة التونسية ما تستحق من حقوق مادّية ومعنويّة. وعلى رغم الاستحسان الذي تخلّفه القرارات السيادية الضامنة المساواة بين الرجل والمرأة، فإن الأصوات المعارضة لا تزال تحاول غلق أبواب الحريات الشخصية الخاصة بفئة الإناث.
يوم 13 آب (أغسطس) الجاري طالب الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي خلال كلمة ألقاها لمناسبة العيد الوطني للمرأة التونسية بإلغاء المنشور الذي يمنع المرأة التونسيّة من الزّواج بأجنبي غير مسلم، معلّلاً قراره بالتغيّرات الاجتماعيّة التي تعيشها المرأة في تونس وظروف دراستها وعملها في الخارج، وأيضاً احتراماً لرغبتها في العيش وفق اقتناعاتها الشخصية. كما أعلن قائد السبسي تشكيل هيئة للنظر في مشروع قانون يساوي بين الجنسين في الميراث خلافاً لما جاء في القوانين القديمة. ومن المنتظر أن يجري النّظر في هاتين المسألتين في مجلس نواب الشعب حال الانتهاء من صوغهما.
ووقّع ائتلاف ضمّ 60 جمعية خلال آذار (مارس) الماضي بياناً طالب فيه بإلغاء إجراء صادر عن وزارة العدل عام 1973 ويحظر زواج التونسيّات المسلمات بغير المسلمين من الأجانب. وينصّ هذا الإجراء على ضرورة استشهاد أيّ رجل غير مسلم بشهادة اعتناق الإسلام أمام أحد الأئمة من أجل إتمام زواجه بتونسية مسلمة. وجاء في البيان أنّ «هذا الإجراء يضرب حقّاً أساسيّاً لأيّ كائن بشري وهو الاختيار الحر للزوج، كما أنه يتعارض مع ما جاء في دستور تونس الجديد من ضمان لحرية الضمير والمساواة بين التونسيين».
وأثارت استجابة رئيس الجمهورية لمطالب هذه الجمعيات جدالاً في صفوف التونسيين بين مرحّب بهذا القرار ورافض له وكلّ بحسب توجهاته السياسية والدينية، في حين رأى فيه آخرون استمالة للعنصر النسائي من حزب رئيس الجمهورية لغايات انتخابية.
وفي حديث إلى «الحياة» حول جدوى هذا الإجراء وتداعياته، قالت الصحافية أمل الهذيلي إن «رئاسة الجمهورية لم تأت بجديد، فالمرأة التونسية تتمتع بحقها في الزواج بأجنبي إذ يجري بسهولة تجاوز القانون القديم بإعلان الزواج الأجنبي بعد إشهار الزوج إسلامه بطريقة شكلية بهدف إتمام الإجراءات لا غير». وأضافت: «لأن القانون القديم غير دستوري، فإن إلغاءه كان سيتمّ تلقائياً، إلا أن رئيس الجمهورية ولغايات سياسية بحتة حاول استباق الإجراءات طمعاً بإظهار حزبه بمظهر الداعم لحقوق الإنسان عموماً والمرأة التي تمثل نصف عدد الناخبين خصوصاً».
كما أثار قرار المساواة في الميراث حفيظة فئة واسعة من التونسيين بسبب ما اعتبروه تهديداً لثوابت الشريعة الإسلامية. وانتقد وكيل الأزهر في مصر عباس شومان دعوة الرئيس التونسي قائلاً في بيان نشرته الصفحة الرسمية لمكتبه أنّ «المواريث مقسّمة بآيات لا تحتمل الاجتهاد»، رداً على ما قاله السبسي من أن مسألة الإرث «من أمور البشر وتركت للاجتهاد». وكان الرئيس التونسي برر اقتراحه بأن المرأة التونسية تشارك في نحو 45 في المئة من نفقات الأسرة، وتحصل على 54 في المئة من القروض الصغرى وتسددها، لذا فإن تحقيق المساواة في الحقوق سيضمن مساواة كاملة بين الجنسين.
وعلى الفور، رد ناشطون تونسيون على موقف الأزهر بإطلاق وسم بعنوان «يا الأزهر خليك في العسكر»، مطالبين المؤسسة الدينية بالاهتمام بالشأن الداخلي المصري وعدم الإفتاء في ما اعتبروه «الشأن الداخلي التونسي».
لكن الرأي العام التونسي ذاته ومن ضمنه نساء كثيرات، انقسم بين مؤيد ومعارض لمسألة المساواة في الميراث في حين رأى فيه آخرون مادّة لإلهاء الرأي العام.
وعارضت الممثلة المسرحية منال عبدالقوي قرارات رئيس الجمهورية فنشرت تدوينة أكّدت فيها «التمسك بقواعد الشريعة الإسلامية التي تنظّم الزواج وتقسيم الإرث»، والتي تحمي وفق تعبيرها «خصوصية المجتمع التونسي العربي المسلم في غالبيته».
بيد أن هذا الرأي أثار موجة من الانتقادات، إذ عبر صحافيون ومدونون عن استغرابهم الشديد معارضة عدد مهم من النساء، من بينهن فنانات، حقوقاً وضعت من أجل ضمان حرية المرأة وكرامتها.
وفي حين استند مناصرو هذا القرار إلى ما جاء في الدستور من نصّ على المساواة بين الجنسين وحرية الضمير وحرية اختيار الشريك، فإن معارضيه رأوا فيه استهتاراً بالشريعة الإسلامية. وقد دعا الداعية عادل العلمي إلى تكفير رئيس الجمهورية ومفتي الجمهورية بسبب ما اعتبره تشريعاً «للزنى» من خلال السماح للتونسيات بالزواج بغير المسلمين.