أفدح كوارث اتفاق ٢١ نوفمبر، الذي يسعى لشرعنة الانقلاب، هي اقراره بوصاية المكون العسكري على العملية السياسية المدنية. الاشارات المتعددة للقائد العام للجيش وقراراته منذ ٢٥ اكتوبر، هي استسلام او موافقة على شرعية قراره بتفويض نفسه بممارسة سلطات مجلسي السيادة والوزراء في ٢٥ اكتوبر. المبدأ الاساسي في اي نظام سياسي للدولة الحديثة هو العكس؛ اشراف القيادة السياسية المدنية على المؤسسة العسكرية كواحدة من اجهزة الدولة. اتفاق ٢١ نوفمبر، اعتراف ضمني بالهرطقة والفانتازيا الساذجة التي يكررها متحدثوا المكون العسكري وعلى رأسهم الناطق الرسمي السابق باسم الجيش (الصوارمي) بان هناك (قانون عالمي) يمنح القوات المسلحة حق استلام السلطة.
الوثيقة الدستورية لعام ٢٠١٩ -على علاتها- وضعت تقسيم للواجبات والمهام بين مكونات الدولة المختلفة لانجاز مهام الانتقال. هذا الاتفاق ارتد بنا ليس الي ١١ ابريل ٢٠١٩ ولا ١٢ ديسمبر ٢٠١٨، بل الي عهود بربرية سحيقة، يسود فيها الربط الميكانيكي الغوغائي بين الشرعية وبين القوة، بين الحق والصواب وبين القدرة على استعمال سلاح العنف. المؤسسة العسكرية جزء من اجهزة الدولة وليست وصية فوقية عليها.
تبريرات وقف سفك الدماء والحفاظ على البلد من الانزلاق الي مسار العنف والفوضى توكد ما ورد اعلاه. من يسفك الدماء، مجرم لا شرعية لديه للحكم، ومن يجر البلاد الي العنف يقف ضد شعار الثورة السلمية الذي رفعته وتمسكت به الجماهير في الشارع حتى انتصرت به. لا يمكن بناء البلاد ولا حل مشاكلها ولا المضي قدما الي مستقبل افضل بالتهديد والتخويف. البلاد تُبنى بالأمل وليس بالارهاب.
لا يجدي محاولة التبرير بمشاكل قوى الحرية والتغيير او نواقص الوثيقة الدستورية. قوى الحرية والتغيير كلها مشاكل، ولكنها لا تملك سلاحا ولا جيشا ليتم التصدي لمخاطبة مشاكلها بالتحرك العسكري، والوثيقة الدستورية كلها نواقص ولكنها جاءت نتيجة تفاوض سياسي وفيها اليات منصوص عليها لكيفية تعديلها، وقد تم تعديلها مسبقا بعد اتفاق جوبا للسلام بنفس الية التفاوض السياسي.
ما حدث في ٢٥ اكتوبر محض انقلاب، واتفاق ٢١ نوفمبر، مهما اجتهدوا في الترويج له لن يشرعنه.
اطلقوا سراح المعتقلين واطلقوا سراح السودان
امجد فريد الطيب
https://www.facebook.com/702695594/posts/10165912065430595/?d=n