تأخير نشر هذا التقرير الخبري التحليلي ليوم واحد، لظرفٍ موضوعي، يدفع لاستعراض التطورات الكثيرة والمثيرة التي حدثت، وتغطيتها، حتّى تكتمِل القِصص الخبرية وتواكِب الأحداث، لحين العودة إليها في تحليل أخر يسلط الضوء على مُجمل الحِراك الذي لا زال دبلوماسياً وإنْ شابته بعض المواقِف التصعيديّة بتصريحات يُمْكِن، كما يرى كثير من المراقبين، تسكينها في خانة رفع السقف التفاوضي، حتى لا تطفئ ضوء نبرة التفاؤل الذي لاح في نفق الأزمة بعد أنْ أفردت أجنحتها وتعالت أصوات طبول الحرب مِمّا دفع البابا فرانسيس ليقول “أرجوكم بلا حرب، البشرية تسْتحِق السلام”.
- بابا الفاتيكان يصلي من اجل السلام:
هذا ودعا البابا فرانسيس يوم الأربعاء الماضي إلى السلام وتجنُّب الحرب في أوكرانيا، حيث وصلت التوترات بين روسيا والغرب إلى نقطة حرجة، بحسب وكالة (أجربريس) الرومانية. وقال البابا في لقاء تقليدي أسبوعي بالفاتيكان “تحدثنا قبل قليل عن الهولوكوست، وتذكروا أنّ أكثر من خمسة ملايين شخص قد قًتِلوا حينها”، وأكد البابا فرنسيس أنّه “صلّى لتتطور أزمة أوكرانيا بروح الأخوة وأن يتِمّ التغلُّب على كل الآلام والمخاوف وتجاوز سوء التفاهم”، وأضاف “خلال الحرب، يعاني الناس من الجوع، ومن القسوة المُفْرِطة ولذلك يستحقون السلام”. وحثّ البابا فرنسيس المؤمنين على “الصلاة من أجل السلام في أوكرانيا”، وأردف “أتمنى أنْ تصل هذه الصلوات إلى قلوب زعماء الأرض، ليضمنوا أن يسود الحوار ويضعوا خير الجميع فوق المصالح الضيّقة”، وأضاف البابا “أرجوكم، بدون حرب للأبد!”. وكان البابا فرنسيس قال يوم الأحد أنّه “قلق” بشأن التوتّرات المُتزايدة التي قد تعرِّض السلام في أوكرانيا للخطر وتشكِّك في أمْنِ القارةِ الأوروبية. - البيت الأبيض يرُدّ كِتابيّاً على الكرملين:
وضِمْن آخر وأهم التطورات، أرسلت واشنطن لموسكو أمس الأول الأربعاء ردّاً مكتوباً على ما تطْلِق عليه روسيا “المطالِب الأمنية”، وهي خطوة رئيسية في عملية دبلوماسية هشّة، مُنْذ نشر الجيش الروسي قواته على الحدود مع أوكرانيا وبدء تدريبات عسكرية برية وبحرية مكثّفة.
وكشفت وزارة الخارجية الروسية أنّ الردّ الأمريكي سلّمه السفير الأمريكي لدى موسكو جون سوليفان. ودون أنْ تخوض في تفاصيل الردّ، قالت واشنطن انّ مطالب روسيا بسحب قوات الناتو وأسلحته من أوروبا الشرقية ومنع أوكرانيا من الانضمام إلى الحلف ليس لها أي فرصة في التحقّق. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة مُسْتعِدة لمناقشة مواضيع أخرى، مثل الحدّ من التسلُّح وإجراءات بناء الثِقة، وفِقاً لما أوردته صحيفة (اديفارول) الرومانية نقلاً عن وكالات أنباء دولية. وستعتمد المرحلة التالية من الأزمة الروسية الأوكرانية على مدى استعداد موسكو لقبول هذه الأجندة المحدودة، وكل التوقعات تشير إلى أنّ الردّ لن يجِدْ رضاء الكرملين ولا يحقق الحدّ الأدنى من المِطالِب الروسية، وبالتالي لا يدفع لخفضِ التوتّر أو التراجُع من التصعيد. - الثعلب الفِضّي: غزو روسي منتصف فبراير:
وصرّحت ويندي شيرمان نائبة وزير الخارجية الأمريكي يوم الأربعاء الماضي إن بلادها ما زالت تتوقّع أنْ تستخدم روسيا “القوة العسكرية” ضد أوكرانيا بطريقة أو بأخرى “ورُبّما بحلول منتصف فبراير القادم”، مُضيفة أنّها ليست مُتأكِّدة من أنّ زعيم الكرملين قد اتَّخذ “القرار النهائي بالهجوم، ولكن كل شيء يشير إلى أنّ بوتين سيستخدم القوة العسكرية في وقت ما”. وفي تصريحات لها لمنتدى (يالطا للاستراتيجية الأوروبية)، وهو مُنْتدى للتفكير في مُسْتقبل أوكرانيا الأوروبي، قالت “لا اعرف ما يدور في رأس الرئيس بوتين وهناك شخص واحد فقط يعرف، وهو الرئيس بوتين نفسه ولا أعتقد أنّ الناس من حوله يعرفون ما سيفعله في النهاية”.
وعلى صعيد آخر نقلت وكالة فرانس برس أنّ المسؤولة الثانية في الدبلوماسية الأمريكية ويندي شيرمان المُلقّبة بـ “الثعلب الفِضّي” قالت أنّ الألعاب الأولمبية الشتوية التي ستجرى في بكين وتبدأ يوم 4 فبراير القادم بحفل افتتاحي من المقرّر أن يحضره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “لا أعتقد أن الرئيس الصيني شي جين بينغ سيكون مُتحمِّساً إذا اختار بوتين غزو أوكرانيا في ذلك الوقت، فقد يؤثر ذلك عليها”.
وفي أسرع ردّ فعل، وجهت الصين إلى الولايات المتحدة رسالة تحذير عبر وزير خارجيتها وانغ يي الذي أبلغ نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن في اتصال هاتفي أمس الخميس أن على واشنطن “الكفِّ عن التدخل” في الألعاب الأولمبية المُقْبِلة التي ستُنظَّم في بكين، كما أكد الوزير الصيني أنّ عليها أيضاً “الكفّ عن اللعب بالنار” بشأن قضية تايوان.
ويُذكر أنّ الولايات المتحدة كانت قد أعلنت “مقاطعة دبلوماسية” لأولمبياد بكين، أي أنّها لن ترسل ممثلين دبلوماسيين إلى الحدث، وأقنعت العديد من الحلفاء الغربيين بفِعل الشيء نفسه. ويرى مراقبون أنّ نجاح روسيا في تحقيق مصالحها بالأزمة التي أشعلتها في الحدود مع أوكرانيا قد يحفِّز شهيّة الصين لمُعالجة قضيتها في تايوان. فهل تسرِع تايوان في “بلِّ رأسها” إذا نجحت “الحِلاقة” التي أجلست لها روسيا جارتها أوكرانيا؟ - الناتو يطلب انسحاب روسيا من أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا:
وعلى صعيدٍ العلاقات بين حلف شمال الأطلسي وروسيا قدّم الأمين العام للحلف مقترحات الناتو لإعادة علاقاته مع روسيا، ومن بين مطالب الناتو انسحاب القوات الروسية من أوكرانيا وجورجيا وجمهورية مولدوفا. ودعا الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ ليلة الأربعاء الماضي روسيا إلى سحب قواتها من الدول الثلاثة، وقال “قام الناتو اليوم بصياغة مقترحات مكتوبة لروسيا، وفعلنا ذلك بالتوازي مع الولايات المتحدة”. وبشأن العلاقات بين الناتو وروسيا، أوضح ستولتنبرغ أنّ روسيا قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع الناتو “مِمّا يعيق حوارنا ويجب العودة للعمل في مكتبي موسكو وبروكسل، وعلينا استخدام قنوات الاتصال الحالية بين الجيوش لتعزيز الشفافية وتقليل المخاطر، واستخدام خط مدني للتواصل في حالات الطوارئ”. وأكد ستولتنبرغ أيضاً أن الناتو مُسْتَعِدّ للاستماع إلى مخاوف روسيا والانخراط في محادثات حقيقية حول الحفاظ على المبادئ الأساسية للأمن الأوروبي وتعزيزها. وأضاف مُشدِّداً “يتعين على روسيا الامتناع عن استخدام القوة القسرية والخطاب العدواني والأنشطة الخبيثة ضد الحلفاء والدول الأخرى. ويجب على روسيا أيضاً سحب قواتها من أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا، حيث تَمّ نشرها دون موافقة تلك الدول، ويجب على جميع الأطراف بذل جهود بناءة لحل النزاعات، بما في ذلك من خلال صيغة نورماندي، والحدّ من المخاطر والشفافية وضبط التسلُّح”. وجدّد ينس ستولتنبرغ حديثه أنّ الناتو تحالف دفاعي ولا يبحث عن مواجهة، ومع ذلك قال “لكننا لا نستطيع ولن نتنازل عن المبادئ التي يقوم عليها أمن حِلفنا وأمن أوروبا وأمريكا الشمالية، ونبقى ملتزمين تماماً بالمعاهدة التأسيسية والتزامنا بالدفاع الجماعي بموجب المادة 5، وسنتخذ جميع التدابير اللازمة للدفاع عن جميع الحلفاء وحمايتهم”. - هل بالفِعل أوروبا مُنقسِمة؟:
يرى مُراقبون أوربيّون، وبالأخص في شرق أوروبا، أنّ الغرب يبدو وكأنّه غير قادِر على الردِّ بصوتٍ واحِدٍ على التهديداتِ والمطالِب الروسيّة، لأنّ مصالِح الدول تتأرْجح على قيمها والمبادئ التي تضعها مِقوداً لها، فالرئيس الأمريكي يقْترِب من قبول “توغُل روسي قليل الأهميّة في أوكرانيا”.
ووفقاً لتعليق في قناة (دويتشي فيلي) نقلته صحيفة (أديفارول) الرومانية، اضْطّر الجنرال كاي آخيم شونباخ قائد البحرية الألمانية إلى تقديم استقالته من منصبه يوم السبت 22 يناير الجاري بعد انتقادات وُجِّهت له لقوله بأنّ أوكرانيا خسرت إلى الأبدِ منطقة القرم، وتأكيده أنّ كل ما يريده بوتين من الغرب هو معاملته ودولته باحترام، مشيراً إلى أنّ هذا الأمر “من استحقاقاتهما”. وصرح شونباخ بأنّه طلب من وزيرة الدفاع كريستينا لامبرشت إعفائه من مهامه “ليسري القرار فوراً”، وأضاف “قَبِلت الوزيرة استقالتي”.
المُهِم في المسألة على هذا الصعيد، يبدو أنّ البراغماتيّة تتغلَّب على الديمقراطيّة والليبراليّة وحقوق الإنسان، وأنّ القوى الكبرى تعمل استجابة لحاجياتها الخاصة. ولا شكّ أنّ موسكو سعت لإحداث تصدُّع بين الدول الأوروبيّة وهي تمارِس ابتزازها بالغاز، ومن المُتوقَّع إعادة التوازن الاستراتيجي في أوروبا أخْذاً في الاعتبار بعضاً من مطالِب موسكو. بيد أنّ السؤال المُركّب الذي بدأ يفرض نفسه في الدوائر الدبلوماسية التي تبحث عن تسوية للازمة، أين يقع الخط الأحمر الذي سيرسُمه الغرب؟ وإلى أين يمتدّ الخط الأحمر الروسي، علماً بأنّ روسيا تطلب من الغرب حالياً مُغادرة قوات الحلف الأطلسي لأراضي رومانيا وبلغاريا، وحصر الحلف ضمن حدود عام 1997 وبالتالي التخلي عن رومانيا وبلغاريا وجمهوريات البلطيق وسلوفاكيا وسلوفينيا وسحب الأسلحة المنصوبة في هذه الدول. فهل هي مطالب وسقف أعلى للتفاوض، للحصول على أوكرانيا وإبْعاد الناتو عن خاصِرة روسيا وتوسيع المنطقة العازلة بينها والحلف الأطلسي؟
بعيداً عن موقِف بلغاريا المُتحفظ على تواجُد قوات الناتو على أراضيها أو الذي يبدو صامتا، ما هو موقف رومانيا ذات الصوت العالي تأييداً للولايات المتحدة والناتو ومُناداة بتكثيف العُقوبات على روسيا وتشديدها؟
لا غرو أنّ رومانيا تقع قريباً من جبهة القتال، في الدائرة التي ترْسُمها روسيا لمناطق نفوذها على الأقل في التفاوض، وخاصة بعد أنْ أثار نصب الدرع الصاروخي في قاعدة ديفيسيلو استياءها. ومع ذلك لا تُعْتَبر رومانيا هدفاً لروسيا، بل مُجرّد قطعة على لوحة شطرنج المفاوضات. وتاريخياً سبق لرومانيا أنْ واجهت هذا الخطر بعد الحرب العالمية الثانية وتركها الحلفاء لتبقى ضِمْن نفوذ الجيش الأحمر السوفيتي، إلّا أنّ موقفها الآن أقوى مِمّا كان عليه سابِقاَ، لأنّها عضو في تحالف قوي، وهناك قوات أمريكية على أراضيها، وتتمتَّع بضمانات أمنيه واضِحة.
وفي غضون ذلك، تبدو البلاد قد انكفأت على الفضائح الداخلية مثل اتهام رئيس الوزراء نيكولاي تشوكا بالاحتيال الأكاديمي في رسالته للدكتوراه، ومن المُحْتمل أن تواجه ازمه سياسية جديدة، مُتجاهِلة الحرب التي يجري الإعداد لها بالقرب منها بتصاعد التوتر على الحدود الروسية الأوكرانية، وقد تعهدت الولايات المتحدة بزيادة قواتها في رومانيا وأبدت فرنسا استعدادها لإرسال جنود، ورحبت رومانيا بالعرض الفرنسي، وأعربت عن شكرها للولايات المتحدة فرومانيا لا زالت تعتمد عليها وعلى مظلتها الأمنية. - الغاز الروسي أو حرب جديدة في أوروبا:
في تحليل نُشر على موقع Euractiv الإلكتروني، كتب أندرياس أوملاند، المُتخصِّص في شئون الاتحاد السوفيتي السابق بالمعهد السويدي للعلاقات الدولية، أنّ التوتُّر بين موسكو وكييف تصاعد بشكل كبير بعد أنْ أصبحت أوكرانيا غير ذات أهمية قُصْوى من الناحية الجيو اقتصادية لروسيا. وشرح أندرياس قراءته بقوله: في السنوات العشرين الأولى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، كانت كييف تتمتَّع بميزةٍ جيو اقتصادية كبيرة في موسكو، حيث كانت قادِرة في أيِّ وقتٍ على إيقافِ أكثر من نصف إمدادات الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا، علماً بأنّ روسيا، الدولة البترولية، تعتمِد بشكل كبير على عائدات مصادِر الطاقة لدعم اقتصادها وجدول أعمالها الدولي، وهذا الترابط الاقتصادي أبقى موسكو تحت السيطرة ووفّر أمناً جيو سياسياً لأوكرانيا.
وبمرورِ الوقتِ بدأ موقع كييف الجيو اقتصادي في مواجهة موسكو يضعف مع إنشاء خطوط أنابيب (نورد ستريم – السيل الشمالي)، والتي تهدف إلى تزويد أوروبا بالكثير من الغاز الروسي مباشرة إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق. وبمُجرّد سقوط اعتماد روسيا الجُزئي على أوكرانيا في نهاية عام 2012، أصبحت المسألة مسألة وقت فقط لتتعرَّض أوكرانيا لمصير جمهوريتي مولدوفا وجورجيا، في إشارة إلى حروب موسكو ضد الجمهوريات السوفيتية السابقة، وقد حدث ذلك بالفِعل. وفي هذا الصدد، بعد فترة وجيزة من افتتاح (نورد ستريم 1) في أكتوبر 2012، زادت روسيا من الضغوط الاقتصادية والسياسية على أوكرانيا، وفي أغسطس 2013، مَنعت موسكو التِجارة مع كييف لمُدّة أسبوع كتحذير من توقيع اتفاقية شراكة أوكرانيا مع الاتحاد الأوروبي. وفي غضون أشهر قليلة أخرى، أي في مارس 2014، بدأ تدخُّلاً عسكرياً كبيراً وضمَّت روسيا شبه جزيرة القرم ردّاً على الإطاحة بالرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، الزعيم السياسي الموالي لروسيا الذي فرَّ من أوكرانيا بعد “ثورة الميدان الأوروبي”. ثُمّ، في أبريل 2014، بدأت الحرب في منطقة دونباس من خلال مجموعة شبه عسكرية يقودها المحارب القديم إيغور غيركين. ومُنْذ ذلك الحين، واجهت أوكرانيا الاحتلال الروسي وصِراعاً مُحْتدماً يتفاقم أحياناً ويبعدها عن احتمالية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
ومرّة أخرى، ضَعُفَت بالفِعل، ثُمّ تقلَّصت الميزة الجيو سياسية لأوكرانيا على روسيا بمُجرّد تشغيل خط أنابيب (تركستريم)، عبر البحر الأسود لتركيا، في يناير 2020. وإذا تم تشغيل (نورد ستريم 2) الذي يرْبُط روسيا مباشرة بألمانيا عبر بحر البلطيق، فإنّ نظام نقل الغاز الروسي عبر أوكرانيا سيصبح زائداً عن الحاجة، مِمّا يؤثر ليس فقط على أوكرانيا، بل أيضاً على بولندا وسلوفاكيا ودول البلطيق الثلاثة، وبذا تكون روسيا قد حقّقت المُسْتحيل باصطياد أكثر من عصفور بحجرٍ واحِدٍ. - النمسا واستبعاد الغاز من حِزْمَةِ العقوبات:
بعض الأصوات المؤثرة دبلوماسياً تطالب بإدراج مشروع خط أنابيب الغاز (نورد ستريم 2) الذي يقترب من اكتمال تشييده وبالتالي بدء عمله، في حِزْمة العقوبات ضد روسيا إذا هاجمت أوكرانيا. مثل هذا الاحتمال طرحته نائبة وزير الخارجية الأمريكية ويندي شيرمان التي تفاوضت مع نظيرها الروسي سيرجي ريابكوف في جنيف يوم 10 يناير الجاري حول مطالب الكرملين الأمنية.
الشاهد أنّ إمكانية إدراج (نورد ستريم 2) في مجموعة العقوبات تقسِّم أوروبا. النمسا، على سبيل المثال، تعارض هذه الفِكْرة، وقد قال وزير خارجيتها الكسندر شالنبرغ في مُقابلة مع صحيفة دي برس “نحن في أوروبا نعتمد إلى حدِّ ما على الطاقة من روسيا”، وأضاف “لن نتمْكّن من تغيير هذا الأمر بين عشيّة وضُحاها إذا كُنّا نريد التدفئة والكهرباء”. وعلينا ألّا نَنْسى أنّ فيينا حاولت تقليديّاً إقامة علاقات جيدة مع موسكو، والطاقة أحد الأسباب الرئيسيّة لذلك، علماً بأنّ شركة النفط والغاز النمساوية OMV واحدة من المستثمرين في مشروع نورد ستريم 2.
بالطبْعِ لا تتوقف مُعارضة الفِكْرة في حدود تصريحات رئيس الدبلوماسية النمساوية، فمن جهته أثار المستشار الألماني الجديد أولاف شولز أسئلة جديدة حول التزام برلين تجاه كييف على خلفية ازدياد مخاطر الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا. وبعد رفضه تسليم أسلحة إلى أوكرانيا، دعا شولتز إلى توخي الحذر بشأن العقوبات المُخْتارة ضد روسيا، وقال “الحِكْمة تملي اختيار التدابير التي سيكون لها أكبر الأثر، على عكس تلك التي من شأنها أنْ تنْتهِك المبادئ المُتّفق عليها بشكل مُتبادل”. وأضاف المستشار الألماني لصحيفة تسايتونج “في نفس الوقت يجب أنْ ننْظُر في عواقب العقوبات علينا”. ومن واشنطن، خفّف وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن من المخاوف بشأن موقف ألمانيا المُتحفِّظ، وقال لشبكة ان بي سي نيوز “أستطيع أنْ أقول لكم إنّ الألمان يشاركوننا مخاوفنا بالكامِل وأنّهم مُصمِّمون على الردِّ بسرعة وكفاءة ومن جبهة موحَّدة”. - واشنطن تضغط لتوسيع العقوبات:
وفي تطور لاحق قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس إن خط أنابيب نورد ستريم 2 بين روسيا وألمانيا لن يمضي قدماً إذا غزت روسيا أوكرانيا، وشدّد برايس أمس الخميس “أريد أن أكون واضحا للغاية، إذا غزت روسيا أوكرانيا بطريقة أو بأخرى، فلن يتقدم نورد ستريم 2”. ولم يذكر نيد برايس ما إذا كان قد تلقى أي تأكيدات من الألمان حتى الآن بأنّهم لن يواصلوا المشروع في حالة حدوث غزو روسي. ويُذْكر أنّ الحكومة الأوكرانية انتقدت ألمانيا مِراراً لرفضها تزويدها بالأسلحة، وطالبت بتعليق مشروع نورد ستريم 2، للضغط على موسكو. - ماكرون يعرض على بوتين مَخْرَجاً:
وعلى صعيد الجهود الدبلوماسية التي تُبْذل لتجنُّب زيادة تصعيد التوتر بين روسيا والدول الغربية حول أوكرانيا، أعلن قصر الإليزيه، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية، أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعتزِم اقتراح “مسار تهدئة” للأزمة الروسية الأوكرانية على نظيره في الكرملين فلاديمير بوتين. وجاء في بيان صدر عن قصر الإليزيه “الرئيس سيناقش قريباً مع فلاديمير بوتين اقتراح يؤدي في الواقع إلى طريق للتهدئة”، وفي سياق التوترات المتزايدة حول أوكرانيا يقول قصر الإليزيه إنّ الرئيس ماكرون “يعتقد أنّ هناك مُتّسعاً للدبلوماسية وخفض التصعيد”.
وذكرت الرئاسة الفرنسية أنّ محادثة هاتفية ستجرى “في الأيام المقبلة” بين ماكرون وبوتين، وقد قام بيير فيمون، الممثل الخاص للرئيس ايمانويل ماكرون لروسيا، بزيارة إلى موسكو يوم الثلاثاء الماضي تمهيداً للتواصل المباشر بين الرئيسين، فيما أكد ماكرون لاحِقاً أنّ المحادثة الهاتفية بينه وزعيم الكرملين ستكون اليوم الجمعة 28 يناير الجاري. فهل يحقِّق ماكرون اخْتِراقاً يجيّره لصالحه في الانتخابات التي سيخوضها بعد ثلاثة أشهر لتجديد ولايته الرئاسية؟
والى ذلك وفي محاولة لإحياء حوار (تنسيق نورماندي)، عقدت فرنسا وألمانيا وروسيا وأوكرانيا اجتماعا استشاريا دبلوماسيا في باريس الأربعاء أمس الأول، وقد فوّض الكرملين ديمتري كوزاك مبعوث بوتين إلى أوكرانيا للمشاركة في الاجتماع ونيابة عن أوكرانيا شارك فيه رئيس الإدارة الرئاسية. ولفترة أطول مما كان متوقعاً، بحثت اجتماعات المستشارين الدبلوماسيين لرؤساء الدول الأربعة نهاية للحرب في دونباس، جنوب شرق أوكرانيا.
ويرى قصر الإليزيه أنً البرلمان الأوكراني في كييف يُمْكِن أنْ يعيد النظر في “قانون الانتقال” الذي يصنِّف روسيا على أنّها “دولة مُعْتدية ومُحْتلة”، علماً بأنّ موسكو ترفض الإدراج وتعتبره مخالفا لاتفاقيات مينسك التي تهدِف إلى إحلال السلام في دونباس. ويأمل قصر الإليزيه بعد تلك الخطوة في “تفاوض بشأن الإجراءات الإنسانية، مثل تبادل الأسرى وفتح نقاط حدودية لعبور المواطنين بين الجانبين”. وقالت الرئاسة الفرنسية “سنحاول تحديد موعد للمحادثات بين كييف والانفصاليين الموالين لروسيا في دونباس حول وضع المنطقة الواقعة جنوب شرق أوكرانيا”، ومن جهته قال الجانب الروسي “بالطبع، سوف ندرس المسائل بعناية ونتّخذ قراراً بشأن خطواتنا التالية ومن المحتمل أنْ يُعقد اجتماعاً جديداً بين وزير الخارجية سيرجي لافروف ونظيره الأمريكي أنتوني بلينكن”. فهل تفتح باريس باباً تُدْخِل به الأزمة لغرف المفاوضات بين الأطراف الحقيقيين أصحاب المصْلحة؟
الجدير بالذِكْرِ أنّه قُتل أكثر من 13000 شخص في حرب دونباس، التي بدأت في أبريل 2014 بعد وقت قصير من ضمِّ روسيا لشبه جزيرة القرم. وهي حرب تخوض فيها روسيا عبر وسطاء ضد أوكرانيا، على الرغم من أنّ الكرملين يدَّعي أنّه لا يشارِك بأي شكلٍ من الأشكالِ فيها.
ولتعميق فِكْرة خفض التصعيد، أكد قصر الإليزيه “نحن قلقون وحريصون للغاية على تلافي حالة الغموض والمزيد من الضبابية”، واعترفت الرئاسة الفرنسية بأنّ “هناك حساسية مختلفة في أوروبا تجاه روسيا”، مُضيفةً “لكننا وعلى جانبي المحيط الأطلسي نتشارك نفس المخاوف، وننْطلِق لتفادي نفس التقلُّبات”.
وفيما يتعلق بالضمانات الأمنية التي تطلبها روسيا من الولايات المتحدة وحلِف شمال الأطلسي، يقول قصر الإليزيه “نريد استجابة مُنسَّقة وموحَّدة قَدْر الإمكان، بحيث تكون ذات مِصْداقيّة كاملة وتلْزِم الجميع لتحقيق هدف واحد هو الأمن الاستراتيجي في أوروبا”. - لندن تتهم موسكو بزعزعة استقرار كييف:
دعونا نَخْتِم بتناول آخر ما صدر من ثلاثة عواصم ارتفعت فيها أصوات التصعيد، فعلى خلفية بيان من وزارة الخارجية البريطانية اتهم موسكو بأنّها تحاول تنصيب زعيم موال لروسيا في أوكرانيا والتخطيط لاحتلال أوكرانيا، وصف البيت الأبيض يوم السبت الماضي تلك الاتهامات بانها “مُقْلِقَة للغاية”، وأعلنت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا أنها ستستدعي سفراءها من أوكرانيا، مشيرة إلى احتمال حدوث غزو روسي “في أي وقت”، وأكدت واشنطن أنّها أعدّت ما يصل إلى 8.500 جندي في حالة تأهب اسْتِعداداً لنشرهم في قوات الناتو إذا هاجمت روسيا أوكرانيا.
ووفقا لوكالة الأنباء الفرنسية، قالت إميلي هورن المُتحدِّثة باسم مجلس الأمن القومي للولايات المتحدة “هذا النوع من التآمر مُقْلِق للغاية والشعب الأوكراني له حق سيادي في تقرير مستقبله، ونحن مع شركائنا المنتخبين ديمقراطياً في أوكرانيا”. ويُذكر أنّ وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس ندَّدت من لندن “بحجم النشاط الروسي الذي يهدف إلى تقويض أوكرانيا”، وقالت إن الحكومة الروسية تحاول تنصيب زعيم موال لروسيا في كييف، وتنوي غزو واحتلال أوكرانيا.
وتحدّث بيان الخارجية البريطاني عن عضو مجلس النواب الأوكراني إيفين موراييف كمرشّح مُحْتمل للقيادة الموالية لروسيا، وسيرجي أربوزوف نائب رئيس الوزراء من 2012 إلى 2014، وأندري كلويف الذي ترأس الإدارة الرئاسية تحت قيادة فيكتور يانوكوفيتش، ثم فولوديمير سيفكوفيتش نائب أمين عام مجلس الأمن القومي والدفاع السابق وميكولا أزاروف رئيس وزراء أوكرانيا من 2010 إلى 2014.
هذا ورفضت روسيا يوم الأحد الماضي الاتهامات البريطانية ووصفتها بأنها “سخيفة”، وقالت الخارجية في موسكو على تويتر “ندعو وزارة الخارجية البريطانية إلى الكفِّ عن نشر الهراء”.
isammahgoub@gmail.com