تمهيد:
نبدأ بما بدأنا به رسالتنا الى رئيسك (الموجود الآن فى كوبر أو علياء) قبل عشر سنوات ده [جربدة الأيام 9 و10 مايو2011] ذكّرناه فيها بامور نعتبرها مثل قوانين الفيزياء هى:
• ليس هنالك انقلاب عسكرى فى التاريخ حل مشكلات بلدٍ ما
• ليس هنالك انقلاب عسكرى فى التاريخ لم يفاقم المشاكل التى جاء مدعياً حلها
• ليس هنالك فى التاريخ دكتاتورية لم تنته الى كارثة
• وأن أول ضحية لأى انقلاب عسكرى هى المؤسسة العسكرية نفسها
• وان الانسانية لم تبتكر حتى اليوم نظاماً للحكم أعدل وأكثر أماناً من الديمقراطية اللبرالية التعددية بالرغم من كل نقائصها وعيوبها .
ونبهناه فى تلك الرسالة من بين امور كثيرة أن ثورة شباب السودان آتية آتية ، كما رجوناه أن يكون مثل دى كليرك فى جنوب افريقيا ليكون الآخرون مثل مانديلا، ولكن للأسف كانت الرسالة كما هو مشاهد اليوم صيحة فى قعر وادٍ واسعٍ وسحيق كما يقول المثل ، فهل انت بدورك معتبرٌ أيها الفريق؟
هذه رسالة أخرى من جيل مودع يتمنى أن يفارق وهو مطمئن على مصير هذه البلاد العظيمة وهذا الشعب الفريد (الفريد) بين شعوب المنطقة ونكررها بالفم المليان رضى من رضى ومات كمداً من أبى ، لكننا وللأسف نرى بلادنا وقد بدأت تنتاشها سهام بلاد يُعتَبر شعبنا لها معلماً ، بلاد لا تريد خيراً لنا ولأجيالنا القادمة ، ونرى أيضاً وللأسف المفجِّر للشرايين أن أنقلابكم قد أطلق لهذه القوى العنان ، ونكررها مرة اخرى لهذه الدول “ابعدوا عن السودان وشعب السودان” والذى قال عنه شاعره صلاح أحمد أبراهيم ان الشعب السودانى مثل الجمل صبور ويتحمل الشدائد ولكنه مثل الجمل عندما يغضب ويثور فويل لمن أثاره.
انقلابكم أيها البرهان:
• أنقلابكم المشئوم فى25 اكتوبر 2021 جاء بعد أعظم ثورة للشباب فى التاريخ الحديث ، ثورة شباب بجنسيه ضرب اروع الأمثال فى الاقدام والايثار ودماثة الخلق،
شباب أبهر العالم بثوريته ووضع السودان فى المكان الرفيع اللائق به وبحضارته
الموغلة فى التاريخ وفى مكانةٍ تليق بتحَضُّر شبابه وشعبه .
• انقلابكم انقلابٌ على ثورة شملت السودان كله من أقصاه الى أقصاه وقام بها الشعب بكل مكوناته الرائعة، ثورة جاوزت القبلية والجهوية والاثنية ، وكمثال فقط أذكر لك عينة من الحى الذى أسكن فيه من دائرة لا يجاوز نصف قطرها المئتين متراً ؛ فمن هذه الدائرة الضيقة اسرة من دارفور (نيالا) رحلت بكاملها الى ميدان اعتصام القيادة تجهز الطعام من مالهم الخاص وبجهدهم للثوار المعتصمين الصائمين طوال فترة الاعتصام ، واسرة أخرى من شرق الجزيرة (ودراوة) تواظب على زيارة الميدان وهى تحمل الزاد للمعتصمين وبينهم ابناؤها وقد أصيب أحدهم برصاصة ما زالت مستقرة فى جزءٍ من قفصه الصدرى يصعب اجراء عملية فيها لاستخراج الرصاصة ، واسرة ثالثة تنتمى الى المورردة بامدرمان تجهز الطعام الذى يحمله ابنها وهو أحد المعتصمين لزملائه وزميلاته وقد أصيب هو أيضاً برصاص الغدر ولكنه الحمدلله قد تم له الشفاء، أما لو ابتعدنا بحاولى كيلومترين أو أقل من حيث اسكن فهنالك عوضية (صاحبة مطعم الأسماك بالموردة)وهى قامة تمثل السودان كله ويعرف الجميع ما كانت تقوم به وفريقها من جهد لاطعام الثوار طوال شهر رمضان وحتى جريمة فض الاعتصام يوم وقفة العيد.
فقد انقلبتم اذن على ثورة تخطت الجهوية والقبلية واللتان تحاولون الآن احياءهما ، انقلبتم على ثورة سودانية خالصة كاملة وعظيمة.
• أنقلابكم جاء بعد أن بدأت البلاد تتخلص من أثقال القيود والعزلة الدولية التى أدخلتنا فيها الانقاذ وبعد أن بدأ يعود احترام العالم لنا وبدأت تباشير المعافاة التامة تلوح بعد الثلاثين الكالحات فانقلابكم يا سعادة الجنرال هدم ما بدأت الثورة تبنيه بصبر وتؤدة خلال عامين رغم العراقيل التى كنتم تضعونها فى طريق المعافاة ، فهكذا اعدتم البلاد مرة اخرى الى المربع الأول للأسف الشديد.
أنقلابكم يقود البلاد الى هاوية سحيقة
أنك يا جنرال برهان ومَن معك ومَن وراءك يدفعونك ، تقودون البلاد الى هاوية سحيقة ونراكم تدخلوننا فى طريق سوريا وبشار الأسد ، حذوك النعل بالنعل ، فقد زار رئيسك قبل سقوطه بشارالأسد يطلب منه المشورة وبعدها زار روسيا بوتين يطلب الحماية مقابل احتلال شواطئ البحر الأحمرو سماء السودان وأراضيه وما فيها من البترول والمعادن من ذهب وكوبالت وسيليكون والعناصر الأرضية النادرة[Rare earth elements ] ومعظمها معادن تحتاج اليها صناعات التقانة الحديثة المتقدمة .
الفريق برهان ، فى عصر المعلوماتية لم يعد صعباً الحصول على أدق
المعلومات من أى مكان فى العالم وحول أى موضوع ، فالمنظمات و”الشركات التى أوصلت سوريا الى ما وصلت اليه موجودة بيننا منذ زمان الانقاذ تمد أجهزة القمع بالخبرات والتدريب وأخذت الآن تتمدد وتجد كل ترحيب من قبل مسئولى انقلابكم وكان آخرمظاهر هذا التمدد هو اطلاق يد الروس على معادن جنوب كردفان وما ورد حولها من توفير الحمايات لهذه الشركات وهى التى لا تحتاج الى حماية اذ انها هى الحامية لنفسها وللذين رضوا أن يبيعوا أنفسهم وبلادهم لها.
قوات تحارب شعبها:
• منذ انقلابكم فى 25 اكتوبر2021 ارتقى حتى لحظة كتابة هذه الأسطر77 شهيداً من خيرة شباب هذا البلد ومن ضمنهم الطفلة رهام التى اغتيلت أمام منزلهم وملاك الرحمة ست النفور التى زفت الى السماء برصاصة غادرة انتاشتها لأنها كانت من الثوار الفاعلين وغيرهما من الشباب الواعد الذين تم اصطيادهم الواحد بعد الاخر اصطياداً يبدو ممنهجأً بواسطة التقنية المتطورة التى يبدو أن أصدقاءكم الاسرائيليين قد أبَرُّوكم بها .
• لم تكتفوا بالقتل وحده ولا بآلاف الجرحى ولكن يبدو أنكم استوردتم كميات ضخمة من الغازات المسيلة للدموع والضارة ضرراً بليغا وبخاصة عندما تطلق بكميات غير مسبوقة وبطرق لا تتماشى والطرق القانونية لاستعمالها اذ أنكم تملأون بها أجواء الأحياء السكنية كما تقذفونها داخل المستشفيات والمدارس وفى داخل الفصول وكذلك تطلقونها داخل منازل المواطنين وعلى مواكب تشييع الشهداء (أية فظاعة هذه) وتطلقونها على الشباب مباشرة كمقذوفات قاتلة ، وكل ذلك يعتبر جرائم يعاقب عليها القانون الدولى ، وقد أصبح السودان فى زمانكم من أكبرالدول المستوردة للغازالمسيل للدموع وأنواع اخرى من مواد وأحهزة ومعدات وتقنيات لمكافحة الشباب الثائرالسلمى و كان أولى أن تستوردوا بدلاً عنها الأدوية المنقذة للحياة وسيارات الاسعاف .
• أنقلابكم رفضه الشعب السودانى كله فى مدنه وقراه فهل شاهدتم المليونيات التى تخرج فى كل أنحاء البلاد ام ما زلت تستمع الى”الخبراء الاسترتيجيين ” الذين تسبب أحاديثهم المخجلة فى القنوات العالمية الغثيان .
• اسرائيل التى تنشدون وُدَّها وحمايتها لا تفعل ما تفعل من أجل سواد عيونكم فلها مصالح معينة تعمل على رعايتها (أمن البحر الأحمر وأجواء السودان ) فهى فوق هذا وذاك يهمها أن تظل هى الدولة الديمقراطية الوحيدة فى المنطقة وان تكون كل دول المنطقة من حولها دكتاتوريات دموية وباطشة بشعوبها فذلك يضمن لها التعاطف الدولى الغربى وغيره .
برهان لم نعد نصدق البيانات الرسمية:
لأنها ببساطة لا تتحرى الصدق بل هى أكاذيب بائسة واليك بعض الأمثلة (اكرر بعض الأمثلة) :
- حسب بياناتكم الشهيد دكتور بابكر مات بطلقة أطلقتها ثائرة أخرجت سلاحاً من حقيبتها وربما من محفظتها
- الشهيد أحمد الخير مات متسمماً بفول بايت
- سجلات الشرطة فى هذا اليوم (يوم احدى مليونيات ديسمبر) لم تسجل غير حالة وفاة واحدة لعامل سقط من سقالة بينما كانت مواكب تشييع الشهداء مستمرة،
- الشهيد العميد بريمة ( والذى كان يُعرَف عنه معارضته لدخول جهات غير شرطية فى التعامل مع المظاهرات كما جاء فى الصحف الالكترونية ) قام بقتله طعنا بعض المتظاهرين السلميين الذين لا يحملون غير هتافاتهم وسلميتهم التى تهد الجبال، وهم الأسرع لاسعاف الشرطة المنخنقين بالغاز(داخل السكة حديد) وأول الراكضين لنجدة الشرطة الذين انقلبت بهم العربة التى تحملهم لتفريق المظاهرات (شارع الاربعين) لأن الشرطة هم أعمامهم واخوانهم ، هؤلاء يا برهان هم شباب “لوعندك خت ولو ما عندك شيل” والذى يضعون (يختو) فيه أو يأخذون منه وعاء مفتوح (كرتونة أو سبت ) ليست عليه حراسة ، فمثل هؤلاء يصعب جداً أن يُصَدَّق بحقهم أى فعل قبيح ناهيك بالطعن والقتل.
البرهان أنت المسئول الأول عن كل هذه الكارثة:
بما أنك القائد العام للجيش فأنت المسئول عن كل ما حدث ويحدث ، فانت المسئول الأول عن كارثة الانقلاب وانت من أعطى قوات الأمن الحصانة من المساءلة القانونية وكأنك قد منحتهم ترخيصاً مفتوحاً بالقتل وقد صدقك بعض الجهلاء اذ انهم لا يدرون أنهم يرتكبون جرائم لا تسقط بالتقادم وانهم لا شك مُسَاءلون عنها كما أنك مُسَاءل،
يا برهان هل استمعت الى دعوات الامهات الثكالى وهن يودعن جثامين فلذات أكبادهن؟ وهل تعلم أنها دعوات ليس بينها وبين السماء حجاب؟
كفى تقتيلاً ودماراً فأرحل:
نتمنى ان تتدارك ما يمكن تداركه فتعتذر لهذا الشعب العظيم وترحل اليوم قبل الغد عسى ولعل الله يحدث بعد ذلك أمراً فتجد من يقبل الصفح ، ونتمنى أن تستضيفك المملكة العربية السعودية لتمسك باعتاب الكعبة المطهرة وتطلب الرحمة والمغفرة لك ولأبيك .
كذلك فليرحل كل مَن معك أو وراءك.
ألا هل بلغت اللهم فاشهد
صلاح الأمين salah.elamin8@gmail.com