عندما (تٙكٙـچِّـن) شخصاً مّٙـا إلي درجة (الطيش) لا يكفي أن تقول إنك (كچنتُو) وحسب ولكن مما (يخدم القضية) أن تقول إلي أي مدي بلغ بك الكِچّين له..
• أحد أصدقائي مثلاً كان يقول لي:- فلان دا أنا مسحتُو من ذاكرتي..وكان يقول:- والله أنا عندما أمسح زول من ذاكرتي لو لاقيتو تاني إلا يذكِّروني بيهو لكين براي والله ما بتذكرو خااالص..!!! وهذه لعمري من المقدرات الخارقة والنادرة أن تمسح إنساناً من ذاكرتك لهذه الدرجة الصِّفرية..!!
• زوجة إبن خالتي كانت تقول:- فُلانة دي أنا مسحتٙ تلفوناتا من النوتة.. وتقصد نوتة التلفونات (قديماً)..يعني لم يعُد هناك ما يربطني بها نهائياً..
• جدنا حسن محمد ود ضيف الله رحِمه الله..كان جُندياً مقاتلاً في الحرب العالمية الثانية في جبهة كسلا والقلابات وفي الصحراء الغربية وحتي (تونس الخدرا) فأكسبته تلك الجندية المُكرّبة صرامةً في الحُكم لا تُجامل ولا تتردّٙد..كان يقول:- فلان دا أنا شٙطبتُو بالقلم الأحمر.. ويعني أنه قد ألغي سِجِلّٙه تماماً في (الأوراق الرسمية) لديه ولم يعد يعني له شيئاً!!!
• جدّنا ضو البيت أحمد حسين الكناني (الشاويش) رحِمه الله كان هو الآخر رجل بوليس (ومُتحٙـرّياً) وكان أنصارياً علي السكين ولا يساوم في أنصاريته أبداً..كما لم يكن ليرضي عن أبناء وشباب الأُسرة الذين يخرجون عن (العقيدة الأنصارية) إلي فكرٍ آخر بأيِّ حال، فإذا خرج أحدُهم عن نهج الأسرة كان يقول عنه (إنو فلان دا ملفُّو ضاع خلاس)..وأما الذي يصبح (كوزاً) فهذا كان يقول عنه إنو فلان دا ما عندو ملف خالص.. أو ملفُّو (أكلتو النار)!!!
• ولكن إبنة خالي (نجاة) أتت بما لم يأتِ به الأولون ولا الآخرون..إذ كان لها زوجٌ إسمه كمال..وكانت تحبه حباً جارفاً ولقد كرّٙسٙت حياتها كلّٙها إخلاصاً له..ضاق الحال بكمال في السودان فهاجر إلي السعودية وإستقرّٙ بمدينة جدة بعدما باع ممتلكات من ضمنها (دهب مرتو) ليوفّر ثمن التذكرة ومصاريف السفر..ولم يكن كمال مؤهّلاً ولا صاحب صِنعة، ولهذا فلم يكن أمامه في السعودية إلا أن يشتغل عامل يومية وحمّٙالاً وحارساً ليلياً وحتي أنه إشتغل راعياً للأغنام في ضواحي جدة، وهذه كانت أنسب مهنة له لأنه لم يكن يحمل إقامةً نظامية.. ولكن ولأن الرّٙعي مهنةٌ شاقة وقاسية (ودايرة عِرفة).. وهو لم يكن من أهل المشقة وليس له معرفة بالرّٙعي-إذ وُلِد وترعرع في المدينة- ولهذا ما لبث مع البدوي صاحب الأغنام في الصحراء إلّٙا قليلاً حتي (رفٙـتٙه) البدوي فرجع إلى جدة..
هنا في جدة إلتقي هذه المرة بإمرأة جِدّٙاوية (تكرونية) صاحبة أعمال (ومقدّٙرة) ولها أملاك..هي ليست سعودية ولكنها تتكلم اللهجة السعودية الجداوية بطلاقة وتلبس العباية بالطريقة السعودية ولها صوت جهوري يشقُّ الآفاق..عمِل معها صاحبنا سائقاً منزلياً وحارساً شخصياً ومُحصّلاً ومعلّماً للأطفال وميكانيكياً وسبّاكاً وكهربائياً..ثم سمعتُ أنه آخيراً إقترن بها وعمِـل معها زوجاً..!!!
كنتُ ألتقيه في جدة بالمصادفة وأحياناً أذهب إليه لأزوره في بعض محلات كفيلتو (وزوجتو) فيقول لي (هذا) دكان الكفيلة (وهذه) سيارة الكفيلة وهذا (وانيت) الكفيلة ولا يقول لي (هذه) زوجتي أبداً لأنه أصلاً مُنكِر لحكاية الزواج دي.. وعندما أسأله عن قريبتي وعيالها بالسودان يطمئنِّي أنهم بخير وما عندهم عوجة..وإنو مصاريفهم ماشية تمام وبلا إنقطاع..
ثم إني سافرتُ إلي السودان في إجازتي السنوية وبحثتُ عنه قُبيل سفري ولم أجده..وذهبتُ لزيارة قريبتي نجاة للسلام وللإطمئنان عليها.. ويبدو أنها قد سمعتْ بأن زوجها قد تزوّج عليها بجدة فقابلتني بترحابٍ حار كعادتها وإحتفت بي كما يلزم الإحتفاء ولكنها لم تسألني قط عن زوجها..بل سألتني عن كل الأهل والمعارف والأصدقاء بالسعودية عدا عن زوجها !!!
وأُسقِط في يدي وتحيّرتُ حيرةً شديدة..هل أُبادر وأسألُها عن زوجها وأنا من يجب أن أُسأٙل عنه؟! أم أصٙهْيِن كما صهينت؟!!
المهم في النهاية وبعدما شربتُ الشاي وتونّٙستُ (وعٙصٙرتٙ) ليها وللوليدات الفيها النصيب ودّٙعتُها وبقيت مارق..برضو ما سألتني..وأنا ماشي علي الباب وهي معاي لتودّعني برضو ما سألتني..ولما طلعنا برّٙة البيت وركبتُ عربيتي متخيِّلها تسألني برضو ما سألتني..وإتحركتُ فعلاً فودّٙعٙتني ملوِّحةً بيدها وبرضُو ما سألٙتني..!!!!
أها وأنا في نُص الشارع غلبني المشي تب..غيّرت إتجاه العربية وجيت راجع تاااني ودقّيت الباب فجاتني فتحت لي الباب هي ذاااااتا..
قلت ليها:- يا نجاة والله (غٙلٙبني تب)!!..إنتِ مالِك يا أختي ما بتسأليني من كمال؟؟!!
قالت لي: كمال دا منو؟؟؟!!!!
قلت ليها: معقولة!!! كمال راجلك..!!!
قالت لي: أنا عندي راجل إسمُو كمال؟؟!! هااااااا…بتقصد كمال الكان راجلي داك؟؟!! يا بشير كمال دا أنا ما خلاص (طرٙشْتُو) !!!!! (وهذه أول مرة أعرف فيها أن إبنِ آدم يُمكن أن يُطرش)!!
قلت ليها:- طرٙشْتيهُو كيف؟؟!! دا كلام شنو دا يا نجاة؟؟!!!!
قالت لي:- دا أنا مش طرٙشتُو وبس..دا طرشتو في الحمام..ومٙصمٙصت خشمي بملِـح وغسّٙلتٙ وشّي وإتشطّفتٙ ومصّٙيت لي ليمونة بعد داك كمان..!!!
وأنا في الإجازة سمعتُ أن كمالاً جاء إلي السودان وأن نجاة زوجته لم تسمح له حتي بمقابلة أطفالو ولم تنجح كل الوساطات لإعادتهما إلي عش الزوجية..فقلتُ في نفسي لعلي أنجح فيما فشلٙ فيه الآخرون فذهبتُ إليها أترجّٙاها ومتشفّعاً لصديقي كمال عساها ترجِّعه إلي بيته وعيالِه فقالت لي:-
يا بشير أنا قلت ليك قبل كدة الزول دا أنا (طرشتُو)..يوم واحد شُفت ليك زول تاني برجِّع طراشُو بعد يطلِّعُـو؟!
قلت ليها: لا والله ما شفتو.. وكمان الله يقرفِك ياخي..
ولكني عرفت -علي كل حال- أن أسوأ أنواع التّٙرك (والكِچّين) ما كان بدرجة (طُراش) وبعدو ليمونة..!!!