وصل إمام جامع حي الفراديس الجديد في موعده تماماً قبل تقديم خطبة صلاة الجمعة بخمس دقائق مثلما يفعل عند كل جمعة. قبل ذلك تجول قليلا بسيارته الألمانية الفارهة ماركة “مرسيدس” بين فلل وعمارات الحي الجديد، وحدائقه الصغيرة المخضرة الموزعة بين الحارات والمزودة بأحدث تقنيات الري والتشذيب والاستزراع المستوردة خصيصاً من دولة النرويج الإسكندنافية.
كان يقود فارهته ببطء متفقداً أحوال العباد، أهالي الحي الفردوسي، حمد الله كثيراً على النظافة – التي هي من الإيمان – وهو يبصر شوارع الحي الأسفلتية تتلامع تحت ضوء الشمس بعد غسلها صباحاً بعربات التنظيف المستوردة خصيصاً من دولة اليابان حتى ينعم أهالي الفراديس بالصحة والعافية. اقترب من الجامع في موعده وعاين بفخر – مثلما يفعل كل جمعة – بنيانه المعماري البديع، الذي صممه بحرفية عالية أحد المهندسين الإيطاليين النادرين.
من على منبره الخشبي الصقيل، مسح الخطيب ببصره حشود المصلين أمامه، واطمأن تماماً أنهم في أجمل مظهرهم، وأطهر ملبسهم، واستنشق من هناك – بخبرة – خليط العطور الباريسية التي تفوح من أعطافهم مختلطة بروائح البخور العدني الفائحة في نواصي الجامع. استخرج من حقيبة صغيرة يحملها جهاز الآيباد ماركة أبل الأمريكية، ثم أبدل نظارته الشمسية السويسرية، بنظارته الطبية التي حدثها قريباً في أحدث مستشفيات العيون اللندنية. حرك بأنامله المايك الياباني الصنع عالي الحساسية وبدأ خطبته، التي أعلن من البداية أنها في لعن الكفار الأمريكيين والأوربيين وذم عاداتهم وتقاليدهم التي بدأت تتسرب إلى أبنائنا وتشيع في مجتمعاتنا.
طالت الخطبة أكثر من أربعين دقيقة لم يترك فيها الخطيب المفوه شيئاً لدى الأمريكان والأوربيين واليابنيين وغيرهم من الكفرة واليهود والملاحدة إلا تناوله ولعنه وشنع به، الأسر المفككة التي يسعون إلى نقل نظامها لنا حتى لا نتطور، أجهزة الكمبيوتر والإنترنت الذي دخل كل بيت وحوله إلى ساحة للغناء والرقص والانحراف وتبادل العلاقات، أكاذيبهم المتعلقة بغزو القمر وكروية الأرض وغيرها من ادعاءات العلم الذي يملكون منه شيئاً.. كل شيء تناوله وشرحه ووضح مكامن فساده والطرق الخبيثه التي يحاولون نقلها به إلى بلادنا المتحضرة الآمنة. ثم في نهاية خطبته أطلق سلسلة من الأدعية الناسفة يدعو خلالها الله أن: يبددهم بدداً، أن يدمر زرعهم وضرعهم، أن يهلكهم هلاكاً، أن يخسف الأرض بهم، أن يحولهم إلى قردة وخنازير، أن يدخلهم في صراعات لا يخرجون منها أبدا.. وأن وأن.
بعد انتهاء الصلاة خرج الإمام الخطيب محاطاً بعدد من الشباب الأشداء الأصحاء الوسيمين من أثر النعمة؛ يحادثونه في بعض أمور دنياهم الفانية ويدعونه إلى إلقاء محاضرات ودروس في ناديهم الجديد في حي الفراديس الجديد… أوصلوه حتى باب فارهته الألمانية، ثم تفرقوا كل باتجاه فارهته الصغرى.