اشرتُ امس الى حديث (جبريل ابراهيم) الذى دعا فيه الى عزل غير السياسيين (التكنوقراط) عن مراكز اتخاذ القرار قائلا “انه يجب الا يكون مَن ليس لديه رأى سياسي في موضع اتخاذ القرار “، ولكى تتضح الصورة عن خطل هذا الراى والمفاسد والاخطاء التى يمكن ان تنجم عن سيطرة شخصيات حزبية وسياسية بشكل كامل على مراكز اتخاذ القرار واستبعاد المهنيين، انشر اليوم جزءا من مقالة بعنوان (تدمير قطاع النفط فى السودان) لبروفيسور (نمر عثمان البشير) مستشار الغاز الطبيعي للشركة الوطنية للنفط (سودابت) وعضو مجلس النفط والغاز بحكومة السودان، يتحدث فيه عن التدهور السريع الذى نتج من التعيينات الحزبية فى وزارة النفط بعد وقوع الانقلاب المشؤوم، والكوارث التى يمكن ان تنجم عن ذلك.
“كان القرار الاخير بتعيين السيد (محمد عبد الله) المدير السابق لمكتب الوزير (جادين) كوكيل لوزارة الطاقة والنفط صدمة كبيرة لكل العاملين فى الوزارة وقطاع النفط، مع كامل التقدير لشخصه.
فالسيد محمد عبد الله – كموظف منتدب من وزارة التعدين – صلته الفنية بالنفط والغاز محدودة جدا، ولا يغطى مجاله الفني إلا جانبا بسيطا في تخصص النفط والغاز، كما ان خبرته الادارية لم تتجاوز رئيس قسم، وليس له صلة على الاطلاق بقطاعات حيوية مثل الانتاج والنقل والمصافي ولا بقطاع الكهرباء الحيوي للسودان، ولا امكانيات قيادية أواستراتيجية ليعتلي اعلي منصب في قطاع حساس ومهم جداً لاقتصاد الدولة.
وبناءاً على تجربتنا معه كمدير لمكتب الوزير السابق، فلقد كانت له اليد العليا في تجميد الكثير من القرارات الحيوية بالوزارة وشركاتها المهمة، وكمثال صارخ على ذلك لم يتم تفعيل قرار رئيس مجلس الوزراء بإيقاف الاستيراد الخاص للوقود مما يفتح بابا كبيرا من التساؤلات، هل تمثل هذه الخطوة عودة القرارات لصالح لمجموعة الفساد التى كانت تسيطرعلى عملية استيراد الوقود الخاص على حساب مصلحة الوطن والمواطن، أم ماذا؟
كما كان له دور كبير في عملية التمكين على اساس حزبي، حيث استهل الوكيل المكلف (وزير الانقلاب حاليا) عمله بمواصلة جهده في فتره عمله مع الوزير السابق (جادين) في عملية تمكين جديدة ظاهره للعيان في الوزارة علي اسس حزبية، وفتح ابوابا يمكن ان تمهد لإحياء منظومة الفساد السابقة في العهد البائد، خصوصا في غياب مجلس الثروة النفطية ومنظومة الرقابة في الدولة وغياب رئيس وزراء، حيث يسيطر رئيس حركة العدل العسكرية السياسية ووزير المالية (جبريل ابراهيم) علي وزارة المالية وينتمى وزير التعدين لحركة عسكرية سياسية أخرى (حركة تحرير السودان جناح مناوي) وهما مَن تبقي بعد الانقلاب العسكري، لتكون السيطرة علي القطاعات الاقتصادية الحيوية في الدولة وبالكامل لـ(جبريل ابراهيم) بما فيها القرارات التي تمس وزارة الطاقة والنفط بشكل مباشر، وقد ظهر جليا للعاملين في القطاع طبيعة العلاقة بين الطرفين ومَن له السلطة العليا.
من الممكن جدا ان يفتح الوضع الحالي الأبواب الخلفية للتعاقدات في مشاريع حساسة مع التجاهل الكامل لكل الاسس ومنظومة الحوكمة التي عملنا مع مجالس ادارات الشركات، مثل مجلس ادارة شركة سودابت، على تأسيسها خلال السنوات الماضية والتي بنت منظومة شفافة لتطوير المشاريع.
حدثت ايضا بعض المخالفات لقرارت مجلس الوزراء السابق، حيث قام الوكيل المكلف حينها (الوزير حاليا) بفصل ونقل العديد من الكفاءات المميزة في القطاع وإجراء تعيينات استثنائية مبنية في غالبها على سياسة تمكين واضحة للعيان وليست ذات صلة بحاجة القطاع المترهل اصلاً، أو بالمشاريع المهمة لزيادة الانتاج وتطوير منظومة العمل، وقد تؤدى هذه الردّة للأسف الي خسائر بمئات الملايين من الدولارات، بعد ان نجحت القيادات بعد الثورة في بناء منظومة حوكمة مستعينةً بفرق عمل واستشارات فنية وقانونية بمستوي عالمي، وايقاف العديد من المشاريع الفاسدة الموروثة من النظام البائد والتى لا تقوم على منظومة حوكمة واضحة، ولكن اعاد الوكيل المكلف (الوزير حاليا) نفس الأشخاص ومنظومة العمل السابقة بعد الانقلاب العسكري في 25 اكتوبر.
وسرعان ما ظهرت النتائج بالتدهور الكبير في مساعي زيادة الانتاج النفطي، بالإضافة لرجوع المضاربة فى سوق استيراد الوقود وما لحق ذلك من تأثير وضرر كبير على التحكم في العملات الحرة والتأثير على قيمة الجنيه السوداني وما نشهده من تدهور في قيمة الجنيه السوداني، وتدهور في توفير وقود للكهرباء مما انعكس بصورة سلبية على استقرار التيار الكهربائي الامر الذى يفصح عن الصورة القاتمة جدا لإمداد الكهرباء فى الصيف القادم ان لم يتم تدارك الامر بأسرع ما يمكن” (إنتهى).
كان ذلك ما كتبه بروفيسور (نمر عثمان البشير) الخبير و العارف ببواطن الامور داخل وزارة النفط، أهديه الى وزير المالية الخالد (جبريل ابراهيم) واعوانه الحزبيين فى وزارة النفط، ليروا نتيجة اعمالهم وقراراتهم وتعييناتهم الحزبية !