تدليل الفلوس لن يملأ المحفظة .. لقد حاولنا كثيرا تدليل النقود لعلها تتلاطف معنا ولكن شيئا من هذا لم يحدث .. أسمينا العملات النقدية بأسماء جميلة .. ولكنها لم تتعطف علينا ولم تطاوعنا .. أطلقنا على المليار جنيه اسم “ديك رومى” .. وعلى المليون جنيه .. أرنب .. وعلى الألف جنيه باكو أو أستك .. وقال أولاد البلد عن العشرة جنيهات “بريزة” .. وعن العشرين جنيه.. ريال .. بالمناسبة فى الخليج يطلقون على المليار .. حبة وتعنى أنه أصبح مثل حبة الأرز .. وقلنا عن الجنيه “لحلوح” .. “ملطوش” .. “جُند” .. ومع كل ذلك طارت الفلوس وصرنا نترحم عليها وننعى الجنيه فى قصائد شعرية .. “ مات الجنيه.. ألف رحمة ونور عليه .. فقيد بنوك القاهرة .. أخو الريال .. والد دراهم والبرايز والشلن .. جد فلس .. نسيب لعائلة الدينار .. هكذا نعاه جمال بخيت .. زمان كنا نقول “الجنيه غلب الكارنيه “ يعنى أنه أكثر نفوذا .. ولكن الزمان اختلف وتقلبات الأيام لعبت به وبنا كثيرا ..فصرنا نتباكى بأنه من ثمانين عاما كان سعر الجنيه خمسة دولارات ..ثم فى بداية التسعينيات أصبح سعر الدولار ثمانين قرشا فقط .. ثم صار الدولار بأقل من ستة جنيهات ثم قفز إلى ماتعلمون .. رحمة على أيام كان يطلق اسم “المصارى” على العملة فى بلاد الشام .. ماعلينا .. السؤال الآن هو ..كيف نستعيد مجد الجنيه إذن مرة ثانية ؟ الحل معروف لدينا جميعا ولكننا نراوغ .. معروف أن قيمة الجنيه تتحدد بقوة الاقتصاد وبالسلع الاستراتيجية التنافسية وبالإنتاج المصرى الذى نتطلع إليه لكى يغزو أسواق العالم .. لقد قرأت مؤخرا تقريرا على موقع الدويتش فيلا الألمانى عن أن الجنيه رغم كل المعاناة التى مر بها .. مازال صامدا .. ويقول الخبراء إنه مازال يستعراض عضلاته أمام نظيره الدولار الأمريكي .. ومن أبرز الأسباب التي يتم التركيز عليها قرض صندوق النقد الدولي إلى مصر بقيمة 12 مليار دولار وارتفاع عائدات السياحة وقناة السويس وتحويلات المصريين في الخارج والدعم السعودي والإماراتي المالي لمصر .. ويستطرد الخبراء.. غير أن هذه الأسباب ما كانت لتساعد على تعزيز قوة الجنيه لولا إصلاحات اقتصادية جريئة وغير شعبية اتخذتها مصر بقوة .. ومن تبعات هذه الإصلاحات تقليص دعم الوقود والمياه والكهرباء والمواصلات والخدمات الأخرى مقابل البدء بدعم المنتج الزراعي ومنتجات صناعية مع محاولات الدعم الحكومي بشكل أكثر عدالة بحيث يطال من يستحقه بالدرجة الأولى .. هكذا تتحدث الأرقام .. لكن الأنام الذين دفعوا فواتير الإصلاح من قوتهم اليومى مازالوا يتطلعون إلى إنفراجة تحفظ لهم الحياة الكريمة فى ظل سعار ارتفاع الأسعار .. زيادة الصادرات هى الحل .. ومن قبلها الوفرة والتميز فى الإنتاج الزراعى والصناعى والتكنولوجى ..مثلما فعلت كوريا الجنوبية .. أذكر أننى عندما زرت البرلمان الكورى فى “سول” .. قلت لرئيسه مداعبا .. أعتقد أننى أستحق الجنسية الكورية لعدة أسباب؟ فتبسم الرجل وقال ماهى؟ قلت أنا استعمل تليفون سامسونج وأركب سيارة هيونداى وأحتسى شاى الشعير الكهرمانى .. ألا يكفى كل ذلك لطلب الجنسية .. فضحك الرجل كثيرا .. وقال إنه فخور بصناعة ومنتجات بلاده وأنها تلقى هذا الرواج عالميا .. ثم نصحنا بزيارة قلعة صناعية جديدة إلى بلدة على المحيط الباسيفيكى .. فلم نجد هناك إلا صحراء شاسعة .. فى أوسطها برج مكون من خمسين طابقا فى وسط هذا الخلاء الموحش .. صعدنا إلى الدور الخمسين .. فوجدنا بانوراما زجاجية وماكيتات وشاشات تعرض ما ستكون عليه تلك المنطقة بعد عشر سنوات .. مصانع .. وحضانات تكنولوجية .. وموانئ .. وأوبرا ..واستاد رياضى ضخم .. ومزارع أورجانيك بمئات الأفدنة .. وأنت كمصرى مثلى عندما تزور أى دولة متقدمة .. وترى فيها مثل هذه المشاريع العملاقة والماركات الصناعية العالمية تحلم أن ترى مصر كمثلها .. النجاح كفاح .. والحياة فى كوريا تبدأ من النجمة .. من الفجر .. السادسة صباحا .. الجميع يبدو أشبه بخلية نحل تشغى .. فعلا يمكنك أن تصف المواطن هناك بأنه المواطن النحلة .. حركة دؤوبة وإنتاج وابتكار وتطوير وتحديت بدعم ومساندة وتخطيط الدولة .. إلى أن تحققت له المعجزة .. ثلاثة آلاف دولار شهريا متوسط الدخل هناك .. خلاصة الأمر .. بدون العرق والصناعة والإنتاج لن تأتى الأموال ولن يأتى الغنى .. .. أيها المصريون الأذكياء .. تدليل الفلوس لن يملأ المحفظة .. فلنجرب إذن طريقة كورية “الجنوبية”