أم درمان – التحرير:
عقدت في “دار الأمة” بأم درمان (السبت 9 سبتمبر) ورشة عمل (قضايا المهجريين) بدعوة من “دائرة سودان المهجر” بحزب “الأمة القومي”، تحت إشراف الاستاذة سارة نقد الله الأمينة العامة للحزب، وبمشاركة ٤٠ قيادياً من الحزب، يمثلون مجلس التنسيق الأعلى والمكتب السياسي والأمانة العامة وقيادات وكوادر الحزب بالمهجر، وأصدرت الورشة عدداً من التوصيات لمعالجة مشكلات “العائدين” السودانيين.
الورشة استعرضت الأوضاع الراهنة للسودانيين في المهجر والعودة القسرية للوطن لا سيما عودة أكثر من خمسة وخمسين ألف سوداني من المملكة العربية السعودية ، واستعرضت الورشة الدوافع التي تقف خلف استمرار هجرة الشباب والطلاب والنساء والكفاءات ، والتداعيات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية لهذه الهجرات، وذلك عبر ورقة عمل محورية حوارية بعنوان “نحو استراتيجية قومية لحل قضايا المهجريين” أعدتها “دائرة سودان المهجر”، وقدمها الأستاذ القاسم محمد إبراهيم مساعد الأمين العام، رئيس “دائرة سودان المهجر” وعقب عليها المستشار البشرى عبد الحميد مساعد رئيس الحزب لشؤون المهجر.
رئيس حزب الأمة الإمام الصادق المهدي تناول في كلمته بالورشة قضية الهجرة باعتبارها من القضايا الوطنية الكبرى، وأشار للعودة القسرية وأثارها على المواطن والاقتصاد الوطني، ورأى أنها تتطلب تعبئة الرأي العام حولها بغرض إبراز الدور الكبير الذي لعبه المهجريون في دعم الاقتصاد السوداني، وفي تنمية البلدان المُستقبلة، ما يستلزم الاعتراف بأنهم كانوا قيمة مضافة وليس فائض عمالة، وانتقد تصريحات المسؤولين في تعاملهم مع قضية العائدين ووصفها بأنها غير مسؤولة وقاصرة وتأتي ضمن إهمال النظام لحقوق المواطن السوداني، وقال إن الورشة تمثل رؤية قومية لرفع الوعي بهذه القضية الهامة.
من جانبها أكدت الاستاذة سارة نقد الله الأمينة العامة للحزب على أهمية استكمال مشروع خريطة المهجريين السودانيين التي ترصد وتصنف الوجود السوداني في دول العالم، كما أكدت سعي الحزب لتقديم المساعدة المباشرة وغير المباشرة للعائدين ورفع درجة الاهتمام بهذه القضية إعلامياً وسياسياً ودبلوماسياً.
وتناولت المداولات والنقاشات في الورشة الأوضاع المأساوية للمهجريين، وما ظلوا يتعرضون له من إهمال وابتزاز من الحكومة، وأشار المشاركون في النقاش إلى أن سفارات السودان توجهت نحو الجبايات وفرض الرسوم والضرائب الحكومية وعجزت تماماً في الدفاع عن حقوق العاملين في البلدان المستضيفة.
وشّددت المداخلات على أن الهجرة ومعدلاتها تربط بشكل جذري بسياسات النظام القائم في السودان ولن تحل إلا بقيام نظام جديد، يقوم على الحوكمة الديمقراطية والحرية والعدالة، ويراعي كرامة ومصالح السودانيين وليس التمكين لفئة أو جماعة بعينها على حساب الأغلبية والفئات الفقيرة والمستضعفة، وإعادة بناء الدولة السودانية على أساس الكفاءة والنزاهة وحقوق الانسان والمواطنة.
واستعرضت الورشة تنامي هجرة السودانيين إلى دول الشتات، ما جعل السودان يحتل المرتبة الرابعة بعد أريتريا والنيجر والصومال في قائمة الدول ( المصدرة) للمهاجرين واللاجئين، وأرجعت الورشة أسباب الهجرة لسياسات الحكومة التي عملت على انهيار المشاريع الإنتاجية، وتفشي الفساد والتوظيف على أساس حزبي تمكيني، وارتفاع مستويات الفقر، وتدني الخدمات، وتزايد معدلات البطالة، والمحسوبية وانتشار اليأس والعجز والاحباط.
وتطرقت الورشة إلى سياسة المملكة العربية السعودية كأكبر سوق عمل للمهجرين السودانيين من حيث تنظيم العمالة والاثار السالبة لهذه التوجهات على كل من الاقتصاد السعودي والمقيمين، وعّددت خيارات المهجريين وقضاياهم في ظل السياسة الجديدة.
نص توصيات الورشة
بعد نقاش مستفيض وتداول ثر توصل المشاركون إلى جملة من التوصيات التي تم توجيهها إلى الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والأجهزة الحكومية ذات الاختصاص والقطاع الخاص والاعلام، وإلى الجهات المعنية بقضايا حقوق الإنسان والهجرة والتنمية في الأمم المتحدة والاتحاد الاوروبي والترويكا والمنظمات الدولية، والمنظمات الإقليمية.
وجاءت التوصيات في محورين أساسين هما:
أ- توصيات تتعلق بالسياسات والإجراءات العاجلة التي لا تحتمل تأجيلاً نظراً للظروف الراهنة للمهجريين.
ب- توصيات تتعلق ببناء استراتيجية قومية للحل الناجع بعيد المدى.
أولاً: توصيات سياسات وإجراءات عاجلة:
*أكدت الورشة على أن أوضاع العائدين المهجرين الذين تأثروا بالقرارات الأوروبية والخليجية لا سيما القرارات السعودية الأخيرة، أوضاع سيئة للغاية، خاصة وأن العودة قسرية واضطرارية، ولها مخاطرها الكبرى، مما يتطلب سرعة التدخل بتسهيل كافة إجراءات الدخول (العودة للوطن) وتقديم كافة الخدمات الضرورية في الميناء والمطار، وتوفير تسهيلات السكن المؤقت والغذاء والدواء والحماية الأمنية لممتلكاتهم، وتسهيل إصدار الوثائق الثبوتية المطلوبة للراغبين من طالبي اللجوء بالعودة خاصة العالقين في ليبيا وبعض الدول الاوروبية، وذلك عبر آلية قومية للعائدين تشمل الأحزاب السياسية والمجتمع المدني ووسائل الإعلام والمجموعات الشبابية والنسوية والمطلبية والحقوقية وذلك لتقديم الدعم والمناصرة المدنية والقانونية، وكل ما يسهم في معالجة المشاكل التي تواجه العائدين، وخاصة المعالجات العاجلة، وممارسة الضغط اللازم على الحكومة لتحمل مسؤولياتها تجاه رعاياها.
*طالبت الورشة المجتمع الدولي والاقليمي بتحمل مسؤولياته تجاه المهجريين السودانيين ورصد أوضاعهم الراهنة والبحث عن المفقودين خاصة الأطفال والنساء وضحايا التهريب وتجارة البشر، وحماية النازحين وكفالة حقوقهم بالتنسيق والتعاون مع الجهات المعنية بمراقبة أوضاعهم بما يعصمهم من حالات الابتزاز والاحتيال والوقوع في مشكلات صحية أو سياسية أو اجتماعية، وناشدت الورشة الأمم المتحدة والمنظمة الدولية للهجرة، المفوضية السامية لشئون اللاجئين، صندوق الأمم المتحدة للسكان، صندوق الأمم المتحدة الانمائي، جامعة الدول العربية، الاتحاد الافريقي، منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والدول المضيفة لتوفير الدعم المالي واللوجستي اللازم لحل الإشكالات والمعوقات لمن يرغبون العودة خلال العامين القادمين والاسهام بمخاطبة الأزمة مبكراً قبل أن تستفحل وتصبح من مهددات الاستقرار.
*أشادت الورشة بالاستثمار الثقافي والاجتماعي للوجود السوداني في المهجر وتسخير الطاقات والابداعات في نشاطات وفعاليات حافظت على الثقافة السودانية وجعلت الجاليات السودانية مضرب المثل في التثاقف والتضامن والتواصل بين الشعوب، وطالبت الورشة المهجريين بتعزيز روح التضامن بإطلاق حملات المناصرة عبر روابطهم الاجتماعية والأندية الثقافية والجمعيات الأسرية في دول المهجر لتقديم كافة أشكال الدعم لعودة الراغبين بطريقة سلسة ومرضية إنسانياً.
*دعت الورشة الجهات الحكومية المختصة والقطاع الخاص والمجتمع المدني إلى ضرورة إدماج العائدين في نظام الرعاية الصحية والاجتماعية، واستيعاب أبنائهم في النظام التعليمي، ووضع خطط سكنية بشروط ميسرة مراعاة لظروف العائدين الاستثنائية الذين طالما رفدوا الخزينة العامة بالعملات الصعبة.
*حثت الورشة القطاع الخاص والبنوك ومؤسسات التمويل الأصغر بتقديم حصص تمويلية للعائدين، وتوجيه المؤسسات المالية خصوصاً التي تتبع للحكومة بتقديم التسهيلات اللازمة لاستيعاب مبادرات العائدين في مشروعات استثمارية وإنتاجية تسهم إيجاباً في زيادة الدخل القومي وتمثل مصدر دخل بديل لهم.
*أكدت الورشة على أحقية المملكة العربية السعودية في وضع سياساتها الاقتصادية وفق رؤيتها الوطنية، ومن منطلق التناصح والمصالح المشتركة يمكن التنبيه إلى أن سياسة تنظيم العمالة لها أثار سالبة على الاقتصاد السعودي من ناحية زيادة التحويلات للخارج، وتناقص الطلب على العقارات، وانخفاض القوى الشرائية، وخروج الشركات الصغيرة والمتوسطة من السوق بسبب الفرق في الحد الأدنى للأجور للسعوديين مقارنة بالأجانب، وارتفاع تكلفة الخدمات والمعيشة، وعليه فإن إعادة النظر في القرارات الأخيرة والمرونة في تنفيذها يخدم مصالح المملكة مثلما يخدم مصالح المهجريين السودانيين واقتصاد السودان.
*طالبت الورشة “دائرة سودان المهجر” بوضع كافة الترتيبات الكفيلة لمتابعة ملف العائدين من أسواق العمل الخارجي سواء من السعودية أو ليبيا والعراق أو غيرها من الدول، وإجراء التدخلات اللازمة، ونشر تقرير دوري حول المهجريين واللاجئين، وإصدار كتاب حول هجرة وعودة السودانيين كمرجعية وقاعدة بيانات ضرورية في أدبيات رفع الوعي بالقضية، ولإعداد إستراتيجية متكاملة حول قضايا المهجريين، وتطوير سياسة الحزب حول سودان المهجر.
ثانياً: توصيات استراتيجية وسياسة عامة:
*أكدت الورشة على أن قضية الهجرة القسرية تعد من الأزمات الوطنية المتصاعدة لحجمها النوعي الكبير، قضية تستحق إعادة التفكير الاستراتيجي حولها خاصة الهجرة غير الشرعية، وذلك بسنّ التشريعات اللازمة لمعالجتها وضمان حماية الحقوق الأساسية للمهجريين ولوقف سلسلة المشكلات والنكبات المتفاقمة، وتوفير سبل الاستقرار حتى يصبح الوطن جاذباً وحتى تصبح التشريعات مدخلاً لتراكم إيجابي في البناء الوطني.
*دّعت الورشة المهجريين إلى الاندماج والانخراط في العمل المجتمعي بدولة الإقامة وفق معادلة تحافظ على هويتهم السودانية وتستجيب للقوانين والتقاليد المهنية والاجتماعية بدول الاقامة والاستضافة، وبما يضمن محاصرة ظاهرة تسلل الإرهابيين والمجرمين الذين ينتحلون الجنسية السودانية، وتمتين العلاقات بين الشعوب في إطار الدبلوماسية الشعبية.
*شّددت الورشة على أهمية العمل الاعلامي لحشد الرأي العام السوداني والاقليمي والدولي من أجل رفع درجة الاهتمام والتفاعل مع قضايا المهجريين عامة والعائدين خاصة ضمن قضايا الوطن والمواطن.
*أوصت الورشة بضرورة العمل على توفير مؤسسة مستقلة قومية لمعالجة أوضاع المهجريين واللاجئين، كأحد المنظمات الانسانية والمراكز البحثية والانذار المبكر، مع استقطاب الدعم الفني والبحثي والمعلوماتي واللوجستي وتنسيق الجهود الدولية المتخصصة لإدارة أزمات المهجريين، وعلى المدى القريب ضرورة إنشاء بنك معلومات يوفر إحصائيات المهجريين العائدين، وتصنيفهم حسب التخصصات والكفاءات؛ للاستفادة منهم في المجالات المهنية المختلفة.
*طالبت الورشة بإعادة النظر في المناهج الدراسية والتربوية بما يخدم الطلاب السودانيين في الداخل والخارج، مع تبني برامج متخصصة تساعد في تأهيل أبناء العائدين وسهولة الالتحاق بزملائهم الطلاب.
*أوصت الورشة بتبني استراتيجية قومية وفق سياسات واضحة وآليات فعالة في التعامل مع قضايا المهجريين والعائدين، والاستفادة من مقدراتهم المهنية وخبراتهم وإمكانياتهم المالية، وذلك عبر مؤتمر عام لممثلي المهجريين من مختلف الدول بالتنسيق مع المنظمات المحلية والإقليمية والدولية المتخصصة لبناء سياسات بديلة للتعامل الأمثل مع القوى البشرية المهاجرة والعائدة ضمن سودان المستقبل.
*دّعت الورشة إلى انشاء محفظة وطنية غير ربحية بغرض تمويل مشروعات صغيرة ومتوسطة حسب إمكانيات العائدين، مع تذليل حصولهم على المعدات اللازمة، وتقديم التسهيلات والإعفاءات الجمركية والضريبية.