قفز اسم قوات الاحتياطي المركزي التابعة للشرطة السودانية إلى أن صدارة الأحداث بعد أن طالتها العقوبات الأميركية، بسبب قمع عناصرها للاحتجاجات السلمية المطالبة بإنهاء سيطرة العسكر على مقاليد الحكم، واستعادة المسار المدني الديمقراطي.
وقد أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أمس الاثنين فرض عقوبات على قوات الاحتياطي المركزي، بسبب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، واتهمتها باستخدام القوة المفرطة ضد المحتجين السلميين، وهي الأولى من نوعها بعد إجراءات قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي والتي تسببت منذ ذلك الوقت في احتجاجات، واستندت الخزانة الأميركية في قراراتها على قانون (ماغنيتسكي الدولي للمساءلة حول حقوق الإنسان).
وقال بيان صادر عن وزارة الخزانة الأميركية نشرته السفارة الأميركية بالخرطوم إن قوات الاحتياطي المركزي، كانت في صدارة قوات الأمن السودانية التي لجأت إلى “الرد العنيف” للتعامل مع الاحتجاجات السلمية في الخرطوم، متهمة عناصر القوة بإطلاق الذخيرة الحية على المتظاهرين في يناير/كانون الثاني الماضي، وقالت إن هذه القوات طاردت المتظاهرين الذين حاولوا الفرار من المكان واعتقلت وضربت بعضهم، كما أطلقت النار على متظاهرين، مما تسبب في مقتل أحدهم وإصابة آخرين.
وذكر البيان أنه نتيجة لإجراءات (أمس الاثنين) تم حظر جميع الممتلكات الموجودة في الولايات المتحدة أو التي تمر عبر الولايات المتحدة أو التي في حوزة أشخاص أميركيين أو تحت سيطرتهم، ويجب الإبلاغ عنها لدى مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، وحاول الجزيرة نت الحصول على تعليق من وزارة الداخلية السودانية من دون جدوى.
أثر العقوبات
تراوحت ردود فعل خبراء الأمن السودانيين بشأن أثر هذه العقوبات الصادرة بحق قوات الاحتياطي المركزي، وبقية الفصائل العسكرية المنتمية إلى القوات الأمنية.
وفي أول رد فعل رسمي على القرار، قال مدير الإعلام بقوات الشرطة العميد محمد الحسن لصحيفة الصيحة المحلية إنهم لم يتلقوا أي خطاب أو إخطار رسمي بفرض عقوبات أميركية على قوات الاحتياطي المركزي، وإنهم طالعوا القرار عبر الفضائيات.
وقال إنهم سيخرجون للرأي العام ببيان توضيحي، متى ما تلقوا إخطارا رسميا بالعقوبات، لكون الاحتياطي المركزي فصيل رئيس بالشرطة.
لكن الباحث في الشؤون العسكرية والأمنية، محمد منصور، فيؤكد بأن العقوبات الأميركية ذات مردود كبير على أداء القوات الأمنية.
ولفت في حديثه مع الجزيرة نت، إلى أن قانون “ماغنيتسكي” يعني حرمان فصيل رئيس من قوات الشرطة من السلاح والتكنولوجيا والتدريب الخارجي، ووضع كافة أنشطته تحت المراقبة، وهو أمر ينسحب على كامل قوات الشرطة بالضرورة.
بدوره، قلل الخبير الأمني، اللواء محمد عجيب، من عقوبات الخزانة الأميركية وعدها بأنها “مثيرة للسخرية ومن غير جدوى”.
وفسر ذلك بما سماه عدم وجود أي بروتكولات عسكرية أو تدريبية، أو تعاملات مالية وبنكية تربط هذه القوات مع الولايات المتحدة، وقال للجزيرة نت، إن هذه العقوبة مقصود بها مخاطبة جهات داخل الولايات المتحدة كالكونغرس.
Sudanese police officers are seen outside the court after the new trial against ousted President Omar al-Bashir and some of his former allies on charges of leading a military coup that brought the autocrat to power in 1989, in Khartoum
من مهام قوات شرطة الاحتياطي المركزي مكافحة الشغب وتأمين المسيرات السلمية (رويترز)
تكوين القوة
تكونت قوات الاحتياطي المركزي في سبعينيات القرن المنصرم، كقوة شرطية ضاربة تنشط في حالات الطوارئ.
وضمن مهامها المنصوص عليها بموجب القانون مكافحة الشغب وتأمين الحشود والمسيرات السلمية، وفض النزاعات القبلية، ومكافحة النهب المسلح، وحماية المشاريع الاقتصادية القومية، وتأمين المرافق الحكومية، والمشاركة في درء الكوارث، إضافة لأي مهام أخرى تسند إليها بموجب القانون.
وكان لافتا ظهور هذه القوات في الصراع بإقليم دارفور غربي السودان، وهو أمر عزاه الخبير الأمني وضابط الشرطة المتقاعد عمر عثمان إلى تنامي ظاهرة النهب المسلح في الإقليم في ثمانينيات القرن الماضي، ولكنه أشار إلى توسع قادة نظام الرئيس المعزول عمر البشير (يونيو/حزيران 1989 – أبريل/نيسان 2019)، خاصة وزير الداخلية وقتذاك أحمد هارون، في تسليح القوة وإعطاء عناصرها صلاحيات واسعة تصل إلى تنفيذ مهام قتالية.
ويعد البشير وهارون من ضمن 5 أشخاص تطلبهم المحكمة الجنائية الدولية بالمثول أمامها في تهم تتصل بالإبادة الجماعية، وارتكاب جرائم ضد الإنسانية بإقليم دارفور في الفترة من 2003 إلى 2008.
وقال عثمان “الاحتياطي المركزي، هو إحدى إدارات الشرطة التي يتم الاستعانة بها بشكل رئيس في حال عجز أفراد الشرطة في التعامل مع حالات الشغب”.
منوها إلى أن أفراد القوة يخضعون لتدريبات عالية المستوى، لإنفاذ مهام محددة، وفقا للقانون، خاصة في مسألة حال اللجوء لاستخدام السلاح الناري.
في خط الاحتجاجات
عن ذلك يقول محمد منصور إن المتتبع للأحداث يلحظ أن دخول قوات الاحتياطي المركزي، كقوات منظمة في خط الاحتجاجات، بدأ في أعقاب إعلان حالة الطوارئ التي تلت إجراءات قيد الجيش الاستثنائية في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وقال “لم يكن لهذه القوات أي ظهور في المظاهرات التي أطاحت بالرئيس عمر البشير في الفترة من ديسمبر/كانون الأول 2018 إلى أبريل/نيسان 2019، ولم يجرِ الزج بعناصرها خلال حقبة الحكومة الانتقالية المعزولة بقيادة المدنيين في الفترة سبتمبر/أيلول 2019 إلى أكتوبر/تشرين الأول 2021 في تعاملات الأمن مع المواكب المُسيرة بالعاصمة والولايات، كما يقول منصور، مشددا على أن تدخل هذه القوات ذات الطابع القتالي، في احتجاجات ذات طابع سلمي، فاقم من أعداد الضحايا بصورة غير مسبوقة.
وتقول لجنة أطباء السودان المركزية -وهي كيان مواز لاتحاد الأطباء السودانيين- إنه سقط 89 متظاهرا في الفترة من 25 أكتوبر/تشرين الأول وحتى 21 مارس/آذار الماضيين جراء القمع المفرط من قبل القوات الأمنية.
من جانبه، أبدى ضابط الشرطة المتقاعد عمر عثمان دهشته مما سماه التحولات التي طرأت على قوات الاحتياطي المركزي، حد الدخول في القوائم الأميركية السوداء، ودان الجرائم المنسوبة لقوة تتبع للشرطة، معتبرا أن ذلك يستدعي إجراء مراجعات واسعة لقوات كانت سابقا مثلا أعلى في الانضباط والمهنية.
بيد أنّ اللواء محمد عجيب، أكد أن تدخل هذه القوات يتماشى مع مهامها في فض الشغب والتعامل مع حالات العنف والفوضى، وقال إن قوات الاحتياطي وبحكم خصوصية مهامها، تتعامل اليوم مع حالات عنف تقع في صميم مهامها، وتتضمن تصفية واغتيال لعناصرها، وحرق ناقلات جنودها ومقارها، وليس انتهاء بإغلاق الشوارع والطرقات أمام حركة المارة والسيارات.
توقعات
وتوقع الخبير الأمني عمر عثمان أن تلقي عقوبات الخزانة الأميركية بظلالها على تعامل الشرطة مع المحتجين، في هيئة تراجع لاستخدام القوة. بوقت اعتبر الباحث في الشؤون العسكرية والأمنية محمد منصور “أن تقود عمليات التضييق على العسكريين إلى إفراطهم في عمليات القمع والتنكيل”.
المصدر : الجزيرة