دعونى أؤكد لكم مرارا وتكرارا أن هزيمة الإنقلاب الماثل وإنجاز مشروع التغيير الوطنى المنشود لا يستطيع إنجازهما حزب واحد ولا مجموعة واحدة مهما تجمعت لها من المقدرات والرمزية. وعليه لابد من إنجاز تحالف الحد الأدنى وفق مشروع وطنى يمثل الهيكل العظمى والدليل الموجه للإرادة الوطنية في اتجاه كتابة الدستور الدائم وتاسيس الدولة المدنية وبناء أسس النظام الديمقراطى الأنسب للسودان.
ومطلوب من المشروع الوطنى أن يخاطب ويعالج الأزمات الوطنية الاساسية. ومن شأن ذلك في حال إنجازه أن يقنع كل فئات الشعب، ويدفعه للخروج لدعم إرادة التغيير ومواصلة الدعم إلى أن يتم انجاز كل تفاصيل المشروع الوطنى على أرض الواقع. وكلما كان المشروع الوطنى أكثر وضوح وأكثر تعبير عن جذور الأزمة وكان المشاركين فيه أكثر مصداقية وتجرد، كلما كان اندفاع الجماهير أوسع واقوى واكثر إصرار في مواجهة كل من يقف في طريق إنجاز المشروع الوطنى.
ولذلك في رأى إن الاولوية الآن يجب أن توجه للحوارات الجادة داخل المكونات الوطنية المختلفة بما فيها الجيش والدعم السريع والأمن الوطنى. ولابد من إشتراك الجميع في حوار وطنى واسع ينتهى لكتابة مشروع وطنى واحد.
ولكن للأسف مازال التحالف المعارض لإنقلاب ٢٥ أكتوبر(وتحالفاته من قوى مسلحة وسياسية) وأجندة محلية وإقليمية ودولية؛ مازال دون المطلوب لهزيمة الإنقلاب، وفرض شروط الثورة علي الذين قاموا بالإنقلاب، ومن ثم التأسيس لإنتقال الوطن لدولة مدنية قوية ونظام ديمقراطى راسخ وقادر على الصمود في وجه اى إنقلابات محلية وأى أجندة دولية أو إقليمية ستظل متحفزة ضد حلم السودانيين الدائم في الدولة المدنية القوية والنظام الديمقراطى الراسخ..
ماتزال الأجندات الخاصة حزبية وفئوية وجهوية، ماتزال في أنانية مطلقة لا تقبل التنازل طواعية لصالح الأجندة الوطنية العليا الواضحة. وهذا هو أساس الأزمة الوطنية الماثلة والمتصلة منذ الإستقلال. إذن هى أزمة قديمة ومازالت تتجدد مع كل مرحلة تنفتح فيها الفرصة لإنجاز الحلم السودانى الذي بذلت فيه تضحيات كبيرة وجسيمة وبشكل متكرر منذ بواكير سنين الإستقلال.
وعلى عكس ما ينتشر ويروج له بالوسائط ومراكز ومنصات الإعلام المحلية، فى رأى أن الواقع الوطنى يشهد المزيد من الإنقسام والمزيد من التمترس في الأجندة السياسية الخاصة والأجندة الفئوية، أكثر من أى فترة سابقة، ولا أمل عندى في ظل ما ألاحظ وأتابع من أمل في حدوث تغيير جذرى. وسيبقي موضوع توافق الحد الأعلى مطلوبا بقوة، بل سيظل شرطا أساسيا لإحداث النقلة النوعية والتاريخية في شكل الدولة السودانية. كما أن وصول المكونات الوطنية المختلفة للتوافق على الهيئة التى ذكرت سيمثل الدليل على تجاوزها الأبدى لوتيرة أحداث الإنقلابات والثورات المتكررة والمتلاحقة بالمركز والتى ظلت تنعكس وبالا على كل الوطن بشكل متراكم وتقود باستمرارها إلى إضعاف التماسك الوطنى وإغراء الأطراف على الانفصال بعد الكفران بجدوي الوحدة الوطنية.
ماتزال أى مجموعة سياسية ومدنية وثورية ومسلحة تتمترس في أجنداتها ومشاريعها الخاصة لحاضر ومستقبل الوطن، دون أدنى إكتراث لما يجب أن تؤسس عليه الدولة المدنية من إستقلال وعدالة تجاه كل المجموعات الوطنية، ودون إظهار ما يؤكد ايمان القوى المختلفة بالنظام الديمقراطى الذي يجب ان يؤسس على القيم الديمقراطية العليا المجردة وليس على اساس مصلحة اي مكون أو مجموع مكونات محدودة من بين المكونات الوطنية.
ماتزال لا تقبل أى مجموعة ثورية ولا أى حزب من الأحزاب ولا أى قوى مسلحة داخل وخارج الدولة، تقبل بالانفتاح تجاه الآخر، إلا مع من يتوافقون مع رؤاها السياسية والفكرية، وأحيانا وفق أطماعها في الهيمنة والإنفراد بالحكم وكل أسباب القوة في الدولة. هنا تكمن أزمة الوطن..
وأرى أن المسئولية الأساسية تقع على عاتق القوى السياسية عامة، وعلى القوى السياسية الرئيسية ذات الخبرة والتجربة الطويلة في العمل الوطنى بالحكم والمعارضة. وأقصد هنا تحديدا أحزاب الأمة القومى والحزب الشيوعي السودانى والإتحادي الديمقراطي، بالإضافة للشخصيات الوطنية، ومجالس أستاذة الجامعات وخاصة جامعة الخرطوم. بالإضافة الى الكيانات الوطنية الأصيلة، كرجال الإدارة الأهلية والطرق الصوفية، برغم الافساد الواسع والممنهج الذي نشط فيه حميدتى فشوه به وجه الإدارة الأهلية والطرق الصوفية وأخرجهما من مقاماتهما وقوة تاثيرهما في الواقع المحلى والوطنى، حتى صار عدد من رجالهما مسخا مشوها يسبحون بحمد حميدتى وفقدوا الاحترام الذي ظل يؤهلهم لأدوار وطنية عبر تاريخ الوطن الحديث.