إسمحوا لي كي أخصص كلام الناس اليوم عن بعض ذكرياتي في شهر رمضان المبارك عبر المحطات التأريخية والجغرافية التي تنقلت فيها عبر الأزمنة والامكنة داخل السودان وخارجه.
أبدأ بالطبع بأيام تفتح وعيي الديني بين عطبره وبورتسودان وكان شهر الصيام غالباً يكون في أيام الصيف الحارة‘ ونحن فصولنا كلها مابين حار شديد الحرارة وحار دافئ وحار ممطر وحار متوسط البرودة والله اعلم‘ في تلك الأيام تعلمت السباحة في نهر النيل – نهار رمضان بالطبع – قبل ان ينتقل الوالد الذي كان صرافا بسكك حديد السودان إلى بورتسودان.
في تلك الأيام لم تكن المكيفات قد انتشرت أو أنها لم تصل إلينا‘ كنا إضافة للعوم في النهر، نلجأ لترطيب بعض الاغطية الخفيفة بالماء أو بوضع الماء في”طشت” تحت المروحة أو أمامها لتخفيف درجة الحرارة، و “مباراة” الضل جوار الحائط وحتى ضل الشجرة‘ قبل أن صارت المكيفات تجبسنا في الغرف المغلقة – هذا قبل الحبس الصحي الذي فرضته علينا إجراءات الوقاية من كوفيد 19 حفظكم الله وإيانا وكل عباده من هذه الجائحة التي جهجهت العالم.
كان الوالد رحمة الله عليه يحرص على الإفطار في الشارع مع الجيران كعادة غالب أهل السودان في ذلك الزمان السمح وكنت أحمل صينية الإفطار المحملة بالماكولات والمشروبات الرمضانية التي كان الجيران يتنافسون في تقديم أفضل ما لديهم منها من “قراصة ” أو “عصيدة “- غالباً بملاح النعيمية – وبلح وأبري وحلومر وكركدي وليمون.
في الفاشر بدأت حياتي الأسرية المستقلة‘ إنتقلت معنا عاداتنا ومأكولاتنا ومشروباتنا الرمضانية وشاركناهم مأكولاتهم الدارفورية الخاصة‘ لكن المناخ كان مختلفاً حيث درجات الحرارة كانت في الغالب أقرب للبرودة وأذان المغرب يتأخر عن الخرطوم التي يتأخرأذان المغرب فيها عن بورتسودان‘ كانت دارفور وقتها امنة مطمئنة والخير فيها باسط والحياة أبسط وأجمل قبل أن أنتقل منها مرة أخرى إلى الخرطوم.
بعد فترة بسيطة من إنتقالنا من الفاشر إلى الخرطوم رشحت لدورة تدريبية في المؤسسات العقابية بالشقيقة مصر‘ وفي القاهرة إستمتعنا بليالي القاهرة العامرة بالطيبات من خيرات الدنيا والاخرة من مساجد أشهرها السيدة والحسين إضافة للخيم الرمضانية كانت تستقبلنا بترحيب خاص بزوجتي و هي ترتدي الثوب السوداني الذي كان نادراً بالقاهرة في تلك الأيام.
قبل سنوات إستمتعت مع نخبة من رموز السودان هم البروفسير يوسف فضل من جامعة الخرطوم والشيخ عبد العزيز إمام وخطيب مسجد السيد علي الميرغني بالخرطوم بحري والشيخ محمد الحوار من هيئة شؤون الأنصار، أمضينا العشر الأواخر من رمضان في الأراضي المقدسة بدعوة أميرية وسط أجواء دينية وكرم ضيافة رسمية زانها الكرم الشعبي من أهل الدار والسودانيين هناك.
الصيام في الخرطوم مر بمراحل مختلفة توجناها في السنوات الأخيرة عتد اكتمال بناء بيتنا بعون الله وفضله في الفيحاء بشرق النيل الذي أتاح لنا فرصة لقاءات الجمعة الأسرية ولمة الأولاد والبنات والأحفاد والحفيدات خاصة في شهر رمضان المبارك، حفظهم/ن الله ورعاهم/ن إنه نعم المولى ونعم النصير.
في أستراليا دخلت في تجارب رمضانية مختلفة وسط إبناء الجالية السودانية قبل ان تحرمنا ظروف الحظر الصحي كما حرمت الصائمين في مخنلف أرجاء العالم من الإقطار الجماعي الذي كنا نحضره في الأمسيات الرمضانية التي كانت تنظمها المجموعات السودانية التي تحرص على عادات وطقوس ووجبات السودان المميزة في مثل الإفطارات الجماعية.
أسال الله الرحمن الرحيم أن يرفع عنكم وعنا وعن عباده في العالم أجمع هذا الوباء وأن تسترد البشرية عافيتها وسلامها المجتمعي والبيئي.