بدأنا بالكتابة عن أيام القاهرة، لكنها كتابة معكوسة فرضتها الظروف، بدأت بأول لحظات اللقاء والتعارف بالأستاذ السر قدور، نعود لنحاول سرد بعض قصص البدايات، ثم نعرض لصور و حكايات من عوالم السر قدور المتنوعة . نشأ السر قدور في ضواحي الدامر، منطقة الجباراب الشعديناب، وهم من المنتمين لكيان الأنصار وحزب الأمة. وهو ينتمي لأسرة شاعرة ومادحة، توارثت حب العلم والشعر والمدائح، ويكاد لا يخلو أحد أفرادها المقيمين والراحلين من مس الشعر والأدب والاهتمام بالتراث الشعبي. كان والده شاعرا ومادحا، وكذلك أخوته، فأخذ منهم الكثير.
خرج السر قدور يبتغي الرزق في إحدى مناطق النيل الأبيض، وبحسب روايته فقد جاء لأمدرمان مع مجموعة من أنصار النيل الأبيض في شأن انصاري، فقرر الإقامة بها، وقد كان.
لم ينل السر قدور حظا ذي شان من التعليم النظامي، لكنه أجاد الكتابة و القراءة من الخلوة، ثم بالتعليم الذاتي. كان شغوفا بالمعرفة، سواء من الكتب والمحاضرات أو من المصادر الشفهية. و يتحدث السر قدور بامتنان شديد عن حي البوستة بامدرمان، ونادي حي البوستة. فقد التحق بالعمل بالنادي حارسا له ومقيما به، وكان للنادي مكتبة محترمة عكف عليها السر قدور فوفرت له معارف هائلة من الكتب والمحلات المصرية والعربية، كما عمل فترة في توزيع الصحف، ومن هنا بدأت تراوده رغبة الكتابة والعمل بمهنة الصحافة.
وبحكم انتمائه لحزب الأمة بدأ التردد على دور الصحف الاستقلالية، كما كان يتردد على الندوات وحلقات الشعر والغناء. و يتحدث أيضا بإعجاب شديد عن أستاذه خالد أبو الروس الذي كان دليله لدنيا الشعر والغناء ولعالم التمثيل والدراما.
تعلم السر قدور كيف يروض مواهبه المتعدد ليصنع المنلوجات والاسكتشات الدرامية الخفيفة في الحفلات العامة وبرنامج الإذاعة، وبدأ في مكاتبة الصحف بالأخبار و المتابعات الفنية، وقربه هذا من عالم الشعر والفنانين والمثقفين. كما كان يتردد على سرايا السيد عبد الرحمن ودار حزب الامة فتعرف على عوالم السياسة والسياسين.
كان للسر قدور عين لاقطة وذاكرة مرتبة، ورغبة عارمة في التعلم وتثقيف نفسه، فاغترف من هذه العوالم المتعددة التي عاش فيها، ولم يترك بابا يمكن أن يفيده إلا وطرقه.