نتيجة للطفرة التى قادها المدردح ميرغنى محمد احمد يوسف ~ والذى تمكن من بناء امبراطورية اقتصادية فى البر والبحر سحب من خلالها البساط من تحت اقدام منافسيه فى دلقو – انجذب الناس الى فارسكى لانهم كانوا يرون انه ستكون لديهم فرصة اكبر فى ربوعها ، وشهدت
الثلاثينات والاربعينات هجرة الايدى العاملة الى البلدة بكثافة ، وقد وجدوها بلا حواجز كالتى يواجهها المهاجرون فى البلاد الاخرى . كل من يصل اراضى فارسكى كان يعتبر لاجئا معترفا به
يجد ضالته فى الاقامة والعمل فورا .
وكانت سكينة همد والدة جدنا ميرغنى الراعية الاولى لتلك النهضة قد احتضنت كل من يمت لها بصلة قرابة اولا
موفرة لهم فرص العمل ، لكن مع توسع مؤسسة ميرغنى ( مراكب البيليك العملاقة التى تنقل البضائع من مصر وامدرمان وحدها كان عددها يفوق الخمس وعشرين ) تقاطر الناس نحو فارسكى حتى من البلاد البعيدة نسبيا مثل كرمة وسمت وبلاد الجرور الخ الخ ، ورغم ذلك لا تحتفظ ذاكرة فارسكى باية صور خروج عن
النص بالرغم من كثرة العاملين لان كل المهاجرين الذين جاءوا اليها كانت لديهم جذور عميقة فى اماكنهم التى غادروها وهى شبيهة بفارسكى على اى حال ،لذلك لم تحدث مشاكل اجتماعية او اقتصادية كالتى يتسبب فيها المهاجرون لدى البلدان المستقبلة كالزيادة فى السكان مثلا .
لقد بات هؤلاء مندمجين وصار اهل البلدة مألوفين لاولئك الذين تم تكييفهم بالفعل مع حياة المجتمع خاصة عندما يثبتون جدية من خلال عملهم ، ولذلك ترك هؤلاء سمعة طيبة فى البلدة بعد عودتهم الى بلادهم ، ولان فارسكى لا تخون ذاكرتها كان اهلها يذكرون بالخير كل من مر من هناك كقطب الملاحة خيرى شيب او حتى سعد الذى كان مكلفا بمساعدة سكينة همت ويتحدثون عنهم بحب شديد
و ان كانت الصورة الاسطورية لفارسكى مكرسة بسبب السحر وجمال المكان والنهضة
الاقتصادية التى تشبع الاحتياجات، فلا يجب اهمال مسألة انها كانت تفتح زراعيها للوافدين ، ترحب بهم و تحتضنهم ولا تقسو عليهم ، هذه الالفة والحميمية التى اغدقها ناسها على الوافدين جعل االارتباط الوجودي والفلسفي بين من عاشوا فيها ولو مؤقتا شديد التأثير ناهيك عمن ولدوا فوق ارضها ، وهذا عين ما قاله لى مرسى حامد وشقيقه علينتود اللذان كانا قد الحقا بمؤسسة فارسكى منذ الصغر فاصبحا بعد مرور سبعين عاما يكابدان الشوق لدروبها القديمة يستعيدان سيرة تقاليدها السخية وقدسيتها ورنينها فى داخلهما ويستدرجان رائحتها وصورتها البهية وكانهما يرددان مع الشاعر :
سقى الله ارضا لو ظفرت به
كحلت من شدة الشوق اجفانى
ان المكان ليس مجرد تضاريس ، هو
اشبه بالكائن وهو الذى يشكل شخصية
الانسان فى سنوات حياته الاولى.واذا كان مرسى وعلينتود يريان فارسكى كمخزن امانى جميلة وغمامة خير ، فنحن لا نرى احلامنا الا فى ربوعها حتى لو تنقلنا بين قارات الدنيا ، ثم نقرأ
كل يوم كتاب تاريخها البعيد المسكون بالاسرار .. ان الهام من هندسوا الحب والحياة وصنعوا فرح الارض فى ذلك الجزء من العالم دفع كل واحد منا لكى يسافر فى احلامه فوق الغيم منتشيا بعطره المتجدد . وما فارسكى الا قارورة عطر زكية نثرت عبيرها على الكل سواء كانوا مهاجرين او انصارا فصادقوا اجمل الغابات .
بقى عدد قليل من الوافدين فى فارسكى بعد تضعضع بيزنيس اجدادى نتيجة لتحطم عدد من مراكبهم المحملة بالبضائع فوق شلال علكة ولتوجيهم
اموالا ضخمة لتمويل مشروع زراعى عملاق
فى سدلة بالاشتراك مع محمد سعيد دسوقى
واخوانه ، كان اختراقا فى الاستثمار الزراعى حيث استجلبوا له اضخم طلمبة مياه فى الشمال كله على الاطلاق ، اجهضه الهدام حيث لا تزال الطلمبة العملاقة قابعة فى المياه بين سدلة وبجبوج الى اليوم .
تفرق الوافدون الذين لم نرى وجوه معظمهم.
ثم جاء الى فارسكى اخرون فعشقوها واتخذوها وطنا. تحربتان عشتهما ورغم ما بينهما من اختلاف الا انهما ينفعان للذكرى. ابطالهما جاءا من الشمال ، اولهما الاسطى فؤاد وزوجته زينب ..
وكل ما نعرفه عن ماضيهما ان فواد استقدم عند بناء مستشفى دلقو فسكنا جوار منزلنا. والثانى هو عبد المقصود وزوجته نبيهة من الحلب الذين ياتون فى موسم حصاد التمر . والثنائيان منحا البلدة طاقة بينما أطفأها اخرون من اهلها عندما هاجروا منها للابد واستبدلوها باطراف الخرطوم. وهذا فى حد ذاته يعد سببا كافيا لاستعادة حكاية الثنائى الغريب .
وعبد المقصور شخصية قلقة متناقضة لا تستقر على حال احيانا يميل الى الانعزال وفى احايين
الى الاندماج والاختلاط ، له شارب كثيف يجلس عليه الصقر ، وعمة الصعايدة لا تفارق راسه ليلا ونهارا ، يمشى باستهتار ، وكان ذو طباع غليظة ويملك زخيرة وافية من القساوة عندما يتعلق الامر بزوجته ، ومع حدة مزاجه كنت تراه يحدج نبيهة بنظرة مظلمة ثم يزم فمه ويطلق صواريخ من الشتائم لا يمكن ان يحتملها الانسان العادى، و كان فارق السن بينه وبين زوجته كبيرا ، ربما يكون من الهلالية الذين بعيشون فى جنوب الصعيد ، لانك اذا ركبت القطر القشاش من اسوان الى القاهرة قد تصادف فى كل شبر من القطار من يشبهه.
قبل ان يخلق وشائج مع البلدة اتهمناه زورا بانه هو من يفرغ صناراتنا من السمك ليلا لانه كان يحب السمك حبا جما ،وقد ابتاعه عاشور مرة قرقورا ضخما اصطدته انا ، فيما بعد عرفنا المستهبل الذى يقوم بتمرير سلك معدنى على جبادات الصيد فى الليل ، وكان اذا وجد سمكا حمله معه دون ان يكلف نفسه باعادة الجبادة الى النيل ، كنا نهرول فى الصباح الباكر نحو النيل ممنين النفس بصيد سمين من نوع ( دبس ) فنفاجأ بالجبادات ملقية على البر .
كان عمل عبد المقصود الاساسى هو صناعة شنط الصفيح واصلاح السراير .
اما نبيهة زوجته فقد كانت فاتنة بحق ، وفيها شىء من ملامح الممثلة شمس البارودي وكانت تبدو اكثر تحضرا من زوجها ، كانت محتشمة وتبدو مزهوة بجمالها رغم الندوب التى تركها التغير المناخي على وجهها ، دائما تحدق الى بعيد كاشفة عن اسى وحسرة من قساوة ما تكابده ، كانت تمشى بخطوات بطيئة متعرجة ربما لثقل القفة التى تحملها على رأسها ، كانت تقوم ببيع الصحون والاكسسوارات والبالونات والترمس بالبلح ، وكانت تتصرف كواحدة من نساء البلدة بعدما اكتسبت خبرات ومعارف وتعاملت مع الناس حولها عبر سنين .وكانت تقرأ الطالع للنساء على استحياء وتنال تعاطفهن دائما ، ترسل اولادها فى اى وقت فيجلبون لها الطعام من الجيران لكى يغنيهم عن الرطب الذى درجوا على التهامه فى كل الاوقات ، غير ان الوشيجة التى كانت تربطها بفارسكى لم تكن مجرد صحون الطعام بقدر ماهى ابعد من ذلك وقد يكون سرا دفنته فى رمالنا .
طوال السنين الممتدة يسيب الثنائى بلاد ويفوت بلاد لكى يعسكر فى تلك البقعة فى فارسكى رغم اتساع مساحة البلدة وتوفر البراح الذى يصلح لسكناهم ، وكانهما يحوزان على شهادة البحث الخاصة بذلك المكان الواقع جنوبى منزل الاسطى فؤاد .. والمكان اصلا احد مياديننا للالعاب غير الشاقة مثل ( الكوكة ) التى كانت تتحول لمهرجان فكاهي عندما ياتى سعد الدين صالح للعب معنا ، والشاهد اننا كنا نتحول للميادين الاخرى عندما يحل الثنائى ، فى دلقو عموما كان ملاحظا ان حيدر الحلبى القادم معهم كان لا يرضى بديلا غير المكان المجاور لمنزل مصطفى كمبال فى ابرود .
وكان عبد المقصود كثيرا ما يلعب الدومينو مع جدى يوسف وحدث ذات لعب ان حاصره جدى لان نبيهة اشتكت له بانه تعرض لها بالشتم واهال عليها التراب وسكب الماء الساخن على جسدها ، وهى تهم مخففة لان الرواية الاصلية حسب بخارى يس كانت انه يجبرها على المعاشرة بدون رغبتها فاذا تمنعت يقوم بضربها بلا رحمة . ويبدو ان جدنا قال له : كيف تمد ايدك على حرمة .. انت اصلك ايه ؟ ترك عبد المقصود كل شىء ومسك فى كلمة اصلك واعتبرها مسيئة له واشتكى لطوب الارض وعندما جمعوه يجدى يوسف لتسوية المشكلة اصر ان الكلمة تعنى انه شخص مقطوع فانفجر فيه جدى قائلا : انا مالى فى اصلك وفصلك والتى صارت افيه ذلك الموسم بامتياز يردده الكبار والصغار .
كان ياتى الى فارسكى حلب كثر فى موسم حصاد التمر ويمضون دون ان يعبأ بهم احد . لكن عبد المقصود ونبيهة حكاية اخرى عنوانها عشق المكان ، على مدى سنين وسنين يصل موكبهم فى الليل ، كأن دوابهما يقودهما الى مكانهم المفضل فى فارسكى وعندما يرحلون فى الليل تتعلق عيونهم بالمكان وتعانقه ، وتراهم حتى اخر الطريق يميلون براسهم نحو البلدة يلقون عليها النظرة الاخيرة حتى يتلاشى موكبهم فى حضن الظلمة . وكان ذاك مدعاة لمقاربة مع حادث حضرناه ذات ليلة من ليالى فارسكى فقد مرت سيارة جميلة الشكل تحيط بها صور ملونة امامنا وجاءت عائدة بعد برهة ، ثم اخرج احدهم راسه ليقول لنا انه نورى سعيد وانه عاجز عن التعرف على بيتهم ، ويبدو انه عندما وصل ستور وراى موقع صالح شوكى ادرك انه تجاوز بيتهم فسال الناس فوجهوه لكى يعود ادراجه نحو الجنوب . وكان نورى الموظف بشركة حجار للسجاير فى مهمة للترويج لنوع جديد من السجاير يسمى وينر / الفائز .والشىء بالشىء يذكر كان يأتى الى فارسكى شخصان للحصول على الحرجل والسنمكة احدهما من غربى السودان. والاخر من فلاليح ارقو كان يقود عربة صالون خضراء صغيرة كنا نتحلق حولها ، وكان الرجل يدرك سذاجتنا وفرحتنا بالعربة التى نراها لاول مرة فى حياتنا فيستغلنا اسوا استغلال لكى نجمع له الحرجل والسنمكة مجانا مقابل لمس عربته . وكان ياتى الينا شخص غريب الاطوار يدعى خيرى حرجوم ، كان يحكى للنساء مواضيع باهتة وعندما يكون هناك صوت طائرة فى الجو ويضحكن كان يقول اوقفوا الضحك لكى لا تتحطم الطائرة فوق رءوسنا !!
فى موسم حصاد التمر كانت تقوم زينب ببيع الترمس والدقة (ضمة وشدة على الدال ) مقايضة بالبلح . هى فى الاصل من كرمة النزل ولا يعرف على وجه التحديد اين ومتى التقى بها فؤاد .تضع على ثغرها دائما ابتسامة وتعامل الجميع بلطف شديد ربما لكسر الجليد الذى يسببه حاجز اللغة وتبدو على الدوام فى كامل زينتها وعطرها والشعر الصناعى المنسدل فى شكل ضفائر طولية دقيقة يتوج راسها وهى تشرب مع فؤاد الجبنة، تفوح منها روائح الصندلية والمحلبية وهى جالسة فى بنبرها المعهود امام بيتها فى العصريات برفقة فؤاد وكلبهما المحبوب قبل ان يتوافد اعضاء صالونهما رويدا رويدا ، وكان جدى محجوب وشقيقه ابراهيم من الاعضاء الدائمين بينما كان يتوقف عندهما عكاشة صبر ومحمد على خراج وعبد الدايم محمدين بخاصة وان سالم ابن اخت زينب عمل سائقا لديه .
من مجلسهما كانا يسكبان مشاعر انسانية جارفه تغطى ارجاء فارسكى .ويبدو انهما كانا يدارسون على شمعتهما وفق منهج دقيق
يقوم على احتياجات الطرفين والتزام كل طرف بتلبية تلك الاحتياجات . لاننا لم نسمع نشوب اى شىء من النزاعات المعهودة والخلافات والمشاحنات بينهما كالنوع الذى يدمر الحب بشكل كلى .
وكان فؤاد انطوائيا وخجولا يتكلم بهمس وبتهذيب شديد ،محافظا على سمته وسمعته كبناء درجة اولى ، باعتبارى الجار الاقرب كان يعاملنى باحترام باستثناء مرة واحدة اشتكانى لجدى محجوب قائلا له اننى انطلق كالسهم من البيت اذا ما سمعت صوت البورى واننى لا افوت
رؤية السيارات واننى اجنن اسعاف مفتش الشفخانات حسن السيد عندما يتوقف للسلام على بنت خالته جدتنا حليمة ، فقال له جدى محجوب يا معلم فؤاد ولدى دة شاطر وطلع الاول دعه يفعل مايريد ، علاوة على اننى كنت انتظر ان يلوح لورى عوض محمد عيسى يوم الاحد لانه كان معتادا على تحية زينب الكرماوية بالبورى .
هندس الاسطى فواد الفرندات ذات القبو والاعمدة الرومانية وبوابات وشبابيك الحجارة والاسمنت كتصميم جديد فى معمار دلقو . وترك بصمته فى هذا المجال ، ومن ناحية اخرى تتلمذ على يديه العديد من البنائين الذين حملوا الراية من بعده .
وقفت الناحية كلها مع فواد مؤازرة اثناء مرضه وفى موته شيعوه كانه واحد منهم ونصبت له النساء مأتما وعويلا . وقد تجلت اريحية نساء فارسكى
عندما تولين تقديم الطعام لفؤاد بالدور منذ وفاة زينب ، كان فواد يصنع القهوة فقط فى بيته على غرار جبنة زينب اما الوجبات الثلاث فقد كانت تاتيه من الجارات ، نبوية شرفنتود وفاطمة صالح ادريس ودولت ابراهيم وفوزية ابراهيم عبد الله ونورة قورتى وعلوية اوشى وغيرهن من نساء الناحية . انها عبقرية المكان اذن التى تجلت فى تكريم نجم الثنائى الذى انطفأ ، الثنائى الذى عاش مع الناس دون ان يعلو صوتهما يوما متواصلين فى احترام مع الجميع ،
وكانت الحاجة زينب عبد الرحمن قد الفت مناحة
للبكاء على فؤاد ورددها الناس . كانت تستبطن فيه حزنها عليه لانه بلا ولد مثلها ومثل زوجها عبد الله ، وحول الاطفال المناحة الى ما يشبه الاهزوجة ووضعوا لها لحنا
وباتوا يتغنون بها فى كل حين نظرا لدفء كلماتها
التى كانت تقول : يا اسطى تمام يا اسطى ، زى عبد الله يا اسطى ، مالكش زكرى يا اسطى ، غير صنعتك يا اسطى .
سطر الثنائى فؤاد وزينب قصة حب تشبه قصص الحب التى خلدها التاريخ دون ان يلحظ احد المشاعر التى تشكل الحب من عناد وخصام وهجر وشغف ووصال وبوح . وما كان لاحد فى فارسكى ان يعلم اصلا بتلك التفاصيل لولا ان موتهما رفع الغطاء عن الاسرار الخافية وجعل خيوط تلك الملحمة تتكشف بعدما ارسل اسطوات دلقو متولى وابراهيم خيرى لشقيق فواد فى حلفا الحديدة خبر وفاته ، وجاء الاخ على عجل ليس لتلقى العزاء ولكن لبيع ممتلكاته ، ذهبنا معه يتقدمنا على لبيك لمقبرة حاج عبد السلام حيث يرقد الاسطى فؤاد وهناك اشار على لقبرين متجاوزين وقال له : هذا فواد وهذه زينب . فما كان منه الا ان بصق على قبر شقيقه قائلا:
حتى عند الموت لا تريد ان تبتعد عن مؤخرتها ؟!!
فى لحظات انتشر كلام الاخ المتغطرس الذى خسر شقيقه فى حياته بسبب رؤية كاذبة حول النقاء العرقى ، واذكر اننى كنت فى طريقى لمشوار عندما نادانى صالح سروج وصاحبه ابراهيم وهما جلوس تحت الشجرة العتيقة. سألنى سروج ان كنت ضمن من حضروا
المشهد المخزى ورويت لهما ماحدث فقال سروج : عشرات السنين وفؤاد بيننا لم يات على لسانه يوما ان له اخ فى حلفا . هذا الارعن اتى من اجل المال وليس من اجل اخيه.وكما توقع الجميع فقد اقام شقيقه مزادا علنيا للتخلص من جميع مقتنيات فواد وكانت فى مجملها ادوات بناء عديدة من شتى الاشكال
حيث حضر المزاد الذى اداره ناظر مدرسة اقترى استاذنا بكرى سرى جميع اسطوات وبنائى دلقو .
برحيل زينب التى كانت تعتبر فؤاد فؤادها ، انطفأ قلب الاسطى واثر جرح اختفائها للابد فى حياته، فتحول الى كائن صامت ، عندما ترى فؤاد جالسا فى ذات المكان فى العصريات يتنسم رائحة عطرها وهو يحدق فى المدى البعيد وكانه ينتظر عودتها تدرك ماذا يعنى غياب من كنت ترعاها وتعشق روحها وتحتوى انوثتها. وماذا يعنى ان تدعها حاضرة فى عز الغياب .فى الايام التى سبقت مرضه كان كلما يتوق لملامحها ويبحث عن رشفة لقاء يزور قبرها ويرش الماء عليه لكى لا تجدب زهرته.
هو باع اهله من اجل حبها وصار كالبرق فوق سمائها وهى اتقنت احتواء روحه ثم فقد انس قلبه . شىء يثير الاوجاع .!!
مؤلم ان يحتاجها فيكون الجميع حولها الا هى..هل هى نهاية الاحلام التى شيدها معها
من اودت بحياته ؟ ذات يوم كئيب انتهت رحلة المعلم فؤاد بعدما ذبل وتضعضعت صحته.ترك الاثنان ذكرى لا تموت . تركا قصة حياة وحب اسطورى مدفونة تحت تراب فارسكى الطاهر.. فارسكى التى احتوت هذا الحب !!
كل الاشياء فى حياتنا تستحق التدوين حتى لو كانت تبدو ذات قيمة تافهة فلن نشعر باهميتها الا عندما نعيد قراءتها
ومؤلم اكثر اننا الذين راينا ايامهما الاخيرة فى مراة فارسكى لم يتاح لنا العيش فيها للاسف لكى نتلمس
تلك الايام فى مرآة الاجيال القادمة ، كون ان هناك ثمة قطع ثقافى قد وقع ، ولا ادرى من يتحمل مسئوليته.
وانا ادون هذه الذكريات لا افهم لماذا داهمتهم صورة سيدة حسب الله صاحبة اجمل ابتسامة فى فارسكى . وهى وحدها فصل فى رواية !!
فى الصورة يظهر بيتنا وامامه اطلال بيت الاسطى فؤاد ، ويبدو الموقع الذى كانا يجلسان فيه فى العصريات..هنا حيث صنع الحب المعجزات !!